وثيقة لها تاريخ : الشيخ جراح بن صباح رافق الإنكليز حتى «الدويرة»
في المقال السابق، ذكرت أن المقيم البريطاني لويس بيلي، وكاتبه حاجي أحمد والوفد المرافق لهما، وصلوا إلى الكويت (في الخامس من مارس 1863) والتقوا بالشيخ صباح بن جابر (العيش) وابنه الشيخ عبدالله، أكثر من مرة، ولكننا لا نعرف إن كان الحديث بينهم قد تناول أموراً سياسية أم لا، إذ إن يوميات حاجي أحمد لا تشير إلى مفاوضات بين الجانبين، بل اكتفت بالإشارة إلى أحاديث ودّية. وفي ظنّي أنه لا يمكن أن يقطع المقيم البريطاني كل هذه المسافة من بوشهر إلى الكويت مروراً بالعشار، وسفوان، وأم قصر، والجهراء، ويتكبّد كل هذه المشقة في نقل أغراض كثيرة كلفته أموالاً طائلة، دون أن يكون هناك هدف سياسي مهم. وقد يكون الهدف من كل ذلك التعرّف على المنطقة وأهاليها وتكوين علاقات مع قادتها وأبرز رجالاتها، استعداداً للقيام بدور بريطاني أكبر في المستقبل. وتحقق ذلك للمقيم البريطاني، فقد التقى بالعديد من الرجال والزعماء، ذكرنا ما ورد منهم في هذه اليوميات المهمة، وعلى رأسهم التاجر يوسف البدر، الذي قام بدور أكبر في رحلة أخرى لـ«بيلي» عام 1865م. وبعد قضاء يومين في الكويت، تحدثنا عن بعض تفاصيلها، ركب الوفد الإنكليزي سفينة من نوع «شوعي» يوم السبت 7 مارس، وجاء لوداعهم يوسف بن بدر والشيخ صباح بن جابر، وبعد الوداع غادرت السفينة باتجاه «الخوير»، وتوقفت بعد فترة عند الصبية.
يقول حاجي أحمد: «تحملت الأغراض إلى الشوعي الذي تعين لخور الزبير كذلك تحملت أغراض التي مرسولة إلى أبي شهر وصل يوسف ابن بدر لوداع الصاحب الظهر لما رقى الشوعي وصل جناب الصاحب وتوادع مع الشيخ صباح على الساحل وركبنا خطفنا قاصدين الخوير العصر عادلنا جزيرة فيلكة ولما ثبرت الماية طرحنا قرب الصبية والعشا لما مدت الماية دخلنا وسط الخوير». وفي يوم الثلاثاء العاشر من مارس، وصلت السفينة إلى «الدويرة»، وهناك وجدوا أن أغراضهم التي حملوها في الكويت على «الغنجة» مع المعلم عبدالله المطيري قد وصلت، فسلّم المقيم البريطاني باقي الأجرة وهو مبلغ 50 قراناً للسفينة وطاقمها و25 قراناً للمطيري. كما أهدى قطعة ثمينة حمراء من القماش للشيخ جراح بن صباح الذي كان مرافقاً للوفد. وقد عبر حاجي أحمد عن ذلك بقوله: «بعد الظهر وصلنا عدال الدويرة ووجدنا الدواب واصلة فأنعم جناب الصاحب لأهل الغنجة خمسين قران وللمعلم عبدالله المطيري خمس وعشرين قران وإلى جراح ابن الشيخ صباح الذي مرسله مع الباليوز صاحب قطعة ماهوت حمراء». بعد ذلك اتجه الجميع بعد تحميل الأغراض على الدواب باتجاه «جامع علي» في شرق الزبير ووصلوا بعد مضي أربع ساعات وقت المغرب، وهناك كتب بيلي كتاباً فيه عتاب لشيخ الزبير آنذاك سليمان الزهير لعدم استقباله والقيام بواجب الضيافة تجاهه، وبعد فترة قصيرة جاء جواب من الشيخ سليمان الزهير بيد بعض رجاله، وزوّده بأحد رجاله ليكون دليلاً لهم في طريقهم إلى بلدة «الزين». «تحملت الأغراض على الدواب ركبنا قاصدين الجامع المشهور جامع علي شرقي الزبير وصلناه المغرب والمسافة أربع ساعات فأمر الباليوز صاحب بتحرير كتاب للشيخ سليمان الزهير حاكم الزبير يعاتبه بعدم حصول الاحترام عند أول الوصول ويحكم على المكادية يجون يباتون في المخيم عندنا فأتى منه جواب مع رجاله بإظهار المودة وأرسل دليل لأجل طريق «الزين» وجناب الصاحب تخاطب مع رجاله شفاها بالعتاب ليبلغه».