وردت في الوثيقة التي أشرت إليها في مقال الأسبوع الماضي، وتاريخها 24 يناير 1909، معلومة لم أشر إليها، وهي أن الفقر الذي أصاب قطر والمنطقة في العامين الماضيين بسبب ضعف دخل الغوص، كان السبب الرئيسي في ضعف سيطرة ونفوذ آل ثاني في المنطقة.

Ad

وأشارت الوثيقة كذلك إلى أن البوعينين يفكرون في الرحيل إلى «قصر الصبيح» (عينين أو الجبيل) أو «عسكر» في البحرين أو «العديد» في قطر.

ومما تجدر الإشارة إليه هو أن التفكير في الهجرة لم يكن تفكيراً فقط بل كان تحركاً وتشاوراً وتنسيقاً احتاج إلى وقت واستعداد. فالشيخ عبدالله بن علي الخاطر، شيخ البوعينين في الوكرة قبل الهجرة وبعدها (1838-1928 تقريباً)، كان له دور كبير في إدارة هذا الموضوع وإخوته الشيخ عيسى والشيخ محمد، إذ إنهم كانوا يجرون المشاورات مع جميع الأطراف، ويتخذون القرارات اللازمة لحماية عشيرة البوعينين في الوكرة. ومن القرارات المهمة التي اتخذت تشكيل وفد أو بعثة تقوم بزيارة بلدة «عينين» للتنسيق مع من يسكن فيها أو حولها قبل اتخاذ قرار الرحيل.

يقول الأستاذ محمد بن علي الخاطر في كتابه «وثائق تاريخية من الجبيل» في تعليقه على إحدى الوثائق (صفحة 342) إن البوعينين أرسلوا بعثة استكشافية في شهر ديسمبر 1908 تتكون من وجهاء القبيلة الذين اتجهوا في سفينة إلى الشيخ عبدالله بن علي الخاطر في «عينين» ونسقوا مع عدد من شيوخ القبائل، ومن ضمنهم الشيخ محمد بن عجران كبير شيوخ عشائر الصبيحات من بني خالد في المنطقة، وبعد عودة هذه البعثة إلى الوكرة، اتخذت قبيلة البوعينين قراراً باعتبار الرحيل إلى قصر الصبيح (عينين أو الجبيل) الخيار الأول لها عند الهجرة.

من الملاحظ أن البعثة الاستكشافية قامت بمهمتها في شهر ديسمبر 1908، بينما تمت الهجرة من الوكرة في أكتوبر 1909، أي أن فترة طويلة مرت دون أن نعرف ما حصل خلالها لعدم توافر وثائق تشرح التفاصيل. على كل حال، يبدو أن عشيرة البوعينين لم تتسرع في اتخاذ قرارها، وحينما اتخذت قرارها كان ذلك نابعا من عدة عوامل أهمها الرغبة الصادقة في عدم تصعيد الأزمة لتصل الى مرحلة المواجهة العنيفة. ونجد من بين الوثائق المرتبطة بهذا الموضوع وثيقتين تشيران إلى بداية الرحيل من الوكرة، الأولى كتبتها المعتمدية البريطانية في بوشهر بتاريخ 5 أكتوبر 1909م موجهة إلى المعتمدية في الكويت تقول فيها بالنص المترجم:

«يشرفني أن أبلغكم أن الأخبار التي وردت إلينا من البحرين تفيد بأن قبيلة البوعينين، التي لها خلاف مع الشيخ عبدالرحمن بن جاسم، قد دمرت منازلها في الوكرة وغادرت إلى قصر الصبيح (على الساحل 30 ميلاً شمال القطيف) في سبعين سفينة. ويذكر أن القبيلة يصل عدد أفرادها الذكور إلى حوالي 1000 شخص. وهنا علينا أن نسأل عما إذا كان الشيخ مبارك يعتبر قصر الصبيح مكاناً تابعاً له».

في المقال المقبل، والذي سيكون الأخير في هذه السلسلة من المقالات، سنتحدث عن الوثيقة الثانية وعن رد المعتمدية البريطانية في الكويت على هذا السؤال الموجه لها بخصوص موقف الشيخ مبارك من وضع قصر الصبيح وتبعيته.