«داعش» باقية!
حتى لا ينطبق على الدول الغربية، الولايات المتحدة وبريطانيا، التي لم تترك في قاموس البشاعات وصفاً إلَّا ألصقته بـ"داعش" بعد ذبح الرهينة الياباني الثاني، ذلك المثل العربي القائل: "أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل"، فإن عليها أن تبادر إلى وقفة مراجعة سريعة للتأكد من جدوى هذه الحرب الجوية التي يشنها "التحالف الدولي" على هذا التنظيم، وما إذا كانت غارات الطيران ستنهي سيطرة ما يسمى: "الدولة الإسلامية" على أجزاء واسعة من العراق وسورية والذي لم تتم إزاحته إلَّا من واحد في المئة منها فقط.من غير الممكن إنكار أنَّ الغارات الجوية ألحقت بهذا التنظيم خسائر جسيمة، وأربكته وزعزعت كيانه العسكري، لكن ما يجب إدراكه هو أن الانتصارات التي حققها "التحالف الدولي" في بلدة العرب السورية "كوباني" ترجع إلى أن "داعش" يفتقر إلى الحاضنة "الديموغرافية" المتوافرة له في العراق، فأهل هذه البلدة من نسيج طائفي وقومي واحد، أي أكراد سنة، ولا وجود فيها لأي امتدادات إيرانية لا مذهبية ولا غير مذهبية.
إن المشكلة، وعقدة العقد في العراق، هي أن السُّنة العرب ما زالوا، رغم كل ما يقال في الفضائيات والإذاعات وتصريحات المسؤولين، يتعرضون لتغوَّلٍ طائفيٍّ ومذهبي تقف وراءه إيران علناً و"على عينك يا تاجر"، وتنفذه ميليشيات حاقدة لا يمكن حصر أعدادها ولا أسمائها، وينتظم بعضها في ما يسمى: "الحشد الشعبي"، الذي ارتكب ولا يزال يرتكب فظائع تقشعر لها الأبدان في "ديالى" وفي غيرها، والذي مارس سلباً ونهباً لا يشبهه إلَّا ما فعله المغول في بغداد، ويواصل منع عودة السكان الذين غادروا منازلهم فراراً بأرواحهم وأرواح أطفالهم من هذا التغول الطائفي المحروس بالنفوذ الإيراني الذي تجاوز كل الحدود في بلاد الرافدين وفي سورية التي يرفع نظامها راية: أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة! وعلى سبيل المثال لا الحصر يُفترَض أنَّ العالم كله قد سمع بالمجزرة البشرية التي نفذتها قوات "الحشد الشعبي" سيئة الصيت والسمعة في قرية "بروانه" السنية، والتي أودت بأرواح نحو سبعين من الأبرياء، وجعلت المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني- جزاه الله خيراً- يستنكرها ويطالب بمعاقبة مرتكبيها... لكنْ المؤكد أنه لم تكن هناك أي معاقبة حتى الآن، ولا تزال القطعان الطائفية تسرح وتمرح وتفعل ما تشاء وتمارس السلب والنهب والقتل كما تريد.والحقيقة أنَّ ديالي ليست وحدها هي التي تتعرض لهذا العنف والتغول الطائفي المحروس بالنفوذ الإيراني الذي تجاوز كل الحدود، إن في العراق وإن في سورية... وأيضاً إنْ في لبنان، فكل المناطق السنية في بغداد نفسها تتعرض لما تتعرض له هذه المدينة العراقية المستباحة فعلاً مما يسمى: "الحشد الشعبي"، وهذا هو ما يوفر لـ"داعش" ولكل التنظيمات الإرهابية البيئة الحاضنة، وهذا هو ما يجعل القضاء على هذا التنظيم وعلى غيره مستحيلاً، ما لم يتم وضع حدٍّ لكل هذا التغول الطائفي، وما لم يخرج النفوذ الإيراني من هذه الدول العربية الآنفة الذكر بصورة نهائية.هناك هيمنة إيرانية على العراق وسورية باتت واضحة ويعترف بها الإيرانيون بدون خجل ولا وجل على رؤوس الأشهاد، وهناك ميليشيات طائفية ومذهبية تمادت كثيراً في ذبح السُّنة العراقيين والسوريين والتنكيل بهم... ولذلك فإنه على مجموعة "التحالف الدولي"، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن تدرك أنها إذا أرادت القضاء على "داعش" والمجموعات الإرهابية الأخرى فإن عليها أن تضع حداً للتمدد الإيراني في المنطقة... وبدون هذا فإن العرب السُّنة العراقيين والسوريين سيبقون يحتمون من بطش نظام بشار الأسد وبطش بقايا نظام نوري الماكي بهؤلاء القتلة... فالمثل يقول: "عدوُّ عدوي صديقي".