التصريحات الصادرة عن أحد المسؤولين الأمنيين بإبعاد أي وافد عن البلاد بعد ثبوت معاكسته تعكس مدى تراجع دولة القانون والدستور، وتقدم الدولة الأمنية في معالجة الكثير من الأحداث التي قد تواجه أياً من المجتمعات المتقدمة أو المتخلفة!

Ad

سوء السلوك، إن ثبت، لا يعامل بالإبعاد الإداري كما لا يعامل أي سلوك آخر يصدر من أي وافد كتجاوز الإشارة الحمراء أو حتى الحديث في الشأن العام أو حتى السياسي، بل يعامل وفق المحاكمة القانونية العادلة، والقضاء وحده هو من يقرر ثبوت الجريمة من عدمها، ولا يمكن أن يقرر ذلك رجال الأمن وحدهم، لأنهم من يضبطون الجريمة وهم من يحققون فيها عبر الإدارة العامة للتحقيقات التابعة لوزارة الداخلية، ومن المنطقي ألا يكونوا هم من يصدرون الأحكام ويقومون مقام الهيئات القضائية أيضا!

تراجع دولة القانون يكمن في قوة الدولة الأمنية وتقدمها نحو فرض سطوتها في التعاطي مع الأحداث بحجة إحقاق الهيبة اللازمة للنظام، فالنظام يا سادة مرتبط بالقانون، والقانون يسير تحت مظلة الدستور، والدستور ذاته لم يقل إلا إن الأصل في الإنسان البراءة، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة قانونية توفر له فيها الضمانات القانونية الكاملة، أي توفر له فيها الحق في تقديم الدفاع عن نفسه، وإذا استلزم الأمر استدعاء من يراه، بعد موافقة المحكمة، من الشهود للمثول أمامها لمناقشتهم!

لا يمكن قبول تصريحات المسؤول الأمني الداعية إلى نسف نصوص الدستور واستبدالها بالأوامر والقواعد الأمنية التي يضعها هو ويغيرها وفق خطط الوزارة الأمنية، التي ترى أن أفضل طرق العقاب ليست بتقديم المتهم للمحاكمة العادلة، بل يتوجب إبعاده كونه العلاج الأسرع مهما كانت كلفته على الإنسان وأسرته، وحتى على سمعة الكويت الدولية وسجلها في مجال حقوق الإنسان!

القبول اليوم بمنهج بعض مسؤولي وزارة الداخلية بإبعاد أي أجنبي يثبت معاكسته من وجهة نظر الداخلية ومن قبل إبعاد خطيب لتناوله الشأن السياسي على نحو غير مباشر إلى دولة أخرى، ومن قبل إبعاد من يتجاوز الإشارة الحمراء، سيسمح لوزارة الداخلية بإدراج العديد من الأفعال مستقبلاً لإبعاد أي وافد بها تحت بند المصلحة العامة التي لا تسمح للقضاء بمراقبتها!

القبول اليوم بوجود الإبعاد الإداري وفقاً للمصلحة العامة ينبغي أن يكون في مقابله السماح للقضاء الإداري بالحق في الرقابة على قرارات الإبعاد الإداري، وإذا ثبت للقضاء سلامة القرار بإبعاد الوافد فلا مانع من ذلك، خصوصا أنه سمح للوافد بالدفاع عن نفسه بنفسه أو عبر محاميه، ولا يمكن القبول، في المقابل، أن يترك الأمر لوزارة الداخلية بإضافة ما تريد من أفعال تحت بند الابعاد للمصلحة العامة من دون رقابة القضاء، فهو نسف لحق الإنسان في الدفاع عن نفسه وإهدار لحقه في المحاكمة العادلة واعتبار أن الأصل فيه الإدانة لا البراءة!