المنطقة من حولنا تتداعى، وعلى وشك أن تشهد حرباً عالمية على أراضيها بعنوان محاربة الأصولية الإسلامية المتوحشة التي تقطع الرؤوس وتسبي النساء وتُهجر أصحاب المعتقدات الدينية الأخرى، ونحن، المسلمين، وتحديداً العرب السُّنة "مع الخيل يا شقراء" نستدعي العالم ليأتي بجنوده وآلته العسكرية ليبدأ حربه على أراضينا دون أن يسأل قادتنا: إلى أين ستمتد تلك الحرب؟ ومن المسؤول عنها ولمصلحة أي المشاريع ستكون في النهاية؟!
من المسؤول عن قتل مشروع الدولة المدنية العربية الذي بدأ منذ القرن التاسع عشر واستبدله بمشروع أصولي ديني... يدمرنا الآن؟ إنها بريطانيا التي عبثت، ومازالت، بالمنطقة منذ زعامتها للحروب الصليبية على الشرق العربي، وهي التي زرعت إسرائيل في العالم العربي، وهي أول مَن رعى وتبرع لحركة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية المصرية، وهي الجماعة التي خرجت منها بعد ذلك كل الحركات الأصولية الإسلامية، ولندن نفسها هي التي منحت كل القيادات الإسلامية المتشددة اللجوءَ على أراضيها، وكذلك الولايات المتحدة، مع حلفائهما من الأنظمة العربية التي رأت في تطور المشروع المدني العربي خطراً عليها سيجعل الشعوب تطالب بالمشاركة في الحكم، فشجعت ورعت الفكر الأصولي الذي يحرِّم الخروج على الحاكم ويقدسه، ومنحت أصحابه الأموال ومكنتهم من المؤسسات التربوية والنشء حتى دمرت الأجيال بفكر لا يمت إلى الإسلام ووسطيته وتسامحه بصلة.وفي الكويت لم نكن استثناء، فلم يتمكن أعداء الديمقراطية ودستور 1962 من هزيمة الوعي الشعبي والفكر الديمقراطي المتجذر في المجتمع إلا عندما أطلقوا الحركات الدينية (1976) ومكنوها من جامعة الكويت ومؤسسات المجتمع المختلفة فتداعت الكويت منارة التقدم والانفتاح، وأضحى أهم إنجازاتنا قانون منع الاختلاط في الجامعة، وتمكين المرأة من قيادة السيارة بالنقاب، ودخول مختبرات كلية الطب بالعباءة! وتعميم الحجاب كزيٍّ إسلامي موحد رغم الجدل الذي دار حوله واعتبار مَن ينكره خارجاً عن الملة، وبتحالف السلطة مع التيار الديني استطاعت أن توقف مشروع الدولة المدنية بشقيه الاجتماعي والسياسي، والذي كان ثمنه فادحاً على الدولة والمجتمع ككل، وأدى الى انتشار آفات الطائفية والقبلية التي تخرِّب تعايشنا وانسجامنا وأمننا الاجتماعي.ما حدث في الكويت صورة مكررة لما حدث في أغلبية دول الوطن العربي باستثناءات بسيطة، فالمشروع الديني الإسلامي كانت أيادٍ كثيرة عربية وأجنبية ترعاه وتضخ لمصلحته المليارات من الأموال، وهو سلوك لم يكن عبثياً بل كان مدروساً، خاصة من الغرب وإيران وإسرائيل، فهذي الجهات رعت مجموعات أصولية سنية وقدمت لها الدعم في فترات ومواقع مختلفة، كما أن التحالف الذي سينطلق لمحاربة ما يسمى "داعش" سيخدم في النهاية مشروع الغرب بتفتيت المنطقة وضمان قوة وتفوق إسرائيل، فضلاً عن المشروع القومي الفارسي ذي الواجهة الدينية التي سيتم نزعها عندما يحقق غايته ويعيد تكوين امبراطوريته العتيدة التي لا يمانع الغرب في عودتها.حقيقة وضع العرب السُّنة، وخصوصاً أنظمتهم وزعماءهم، كحال الفراشة التي تقترب من النار لتحترق وتفنى، يرون ويعون خطورة الوضع ولكنهم لا حراك أو مراجعة لأوضاعهم ليعيدوا تقييد غول الأصولية الذي أطلقوه عبر مناهجنا ووسائل إعلامنا ودعاتنا والجمعيات الدينية ذات الإمكانيات المالية الرهيبة، فالحقائق تقول إننا سنتعرض للذبح والهلاك بين مطرقة المتطرفين وسندان المجتمع الدولي بطائراته بدون طيار والحرس الثوري وأذرعته في العراق ولبنان واليمن، وعلينا لوقف خطة تصفيتنا أن نراجع بشكل شامل تعاطينا مع ديننا الإسلامي والفتاوى وكل المنظومة الإسلامية التي استحدثت في الأربعين سنة الأخيرة، فقد حققنا أهم انتصاراتنا تحت راية الدولة المدنية ومرجعيتها القومية في الجزائر 1961 والسويس 1956 وفي أكتوبر 1973، وعندما أطلقنا المشروع الديني وألبسناه الدولة خسرنا كل شيء وسنخسر المزيد ويدمر وجودنا إذا لم نوقفه، فلا يوجد مشروع ديني قابل للبقاء أو الانتصار في زماننا هذا.
أخر كلام
زعماءنا... أنتم المسؤولون عن «داعش»!
07-09-2014