يطرح المال مشاكل يصعب حلها: مثل تحديد طريقة صرف المال وتمويل المشاريع والادخار وكسب المزيد والذهاب في عطلة والاستعداد للتقاعد... هكذا يلقي المال بثقله على يومياتنا لأننا لا نعرف مكانته الصحيحة في حياتنا: إنها مجرد أداة بسيطة لخدمتنا. تتعزز مخاوفنا بفعل الأزمة المالية الراهنة ومعدل البطالة المتزايد لأن الهموم المالية تتراكم بالنسبة إلى معظم الناس.

Ad

على المستوى الاجتماعي، يعكس تفاوت العائدات مختلف المراتب الاجتماعية ومستوى المنظمات الناشطة. ويمكن أن تكون علاقتنا بأموال الآخرين معقدة أيضاً. نميل إلى احترام الأشخاص الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية مرموقة من دون أن ندرك ذلك. تُعتبر أموال الآخرين أيضاً وسيلة لتقييم نفسنا: إنه عنصر للمقارنة الاجتماعية. يمكن أن تؤدي هذه المقارنة إلى نشوء مشاعر الحسد. لا يُعتبر الحسد شعوراً سيئاً على المستوى المادي حصراً، لكنّ المال هو أحد المجالات الأساسية التي تعزز شعور الحسد. حين يسود الحسد بين الناس، سرعان ما يتخذ شكل عدائية اجتماعية. يحصل ذلك نظراً إلى استحالة احتساب درجة الاستحقاق وتقييم مستوى العدالة الاجتماعية.

تاريخ عائلي

وفق نظريات فرويد النفسية، ثمة علاقة رمزية بين المال ومرحلة الطفولة. هو يعتبر أن أصل الجشع مثلاً ينعكس باحتفاظ الطفل بـأملاكه الشخصية في المرحلة الأولى من طفولته. لكن يتـأثر الطفل أيضاً بنماذج الأهل التي يشاهدها في طفولته لأن هذه النماذج يمكن أن تطبع مسار حياته كلها. إذا كان الأهل يرتبطون بعلاقة طبيعية مع المال، يرتفع احتمال أن يقيم الطفل علاقات سليمة مع المال حين يصبح راشداً. لكن إذا عاش طفولة يشوبها الفقر والحرمان والفشل والمشاكل المالية، أو حتى التبذير المفرط، سيتأثر الشخص في سن الرشد بتلك النماذج ويكررها أو ينتفض عليها، لكنه يقوم بذلك بطريقة عنيفة دوماً.

صرف المال على الآخرين

على عكس ما يظنه كثيرون، يمكن أن نشعر بسعادة أكبر حين ننفق المال من أجل الآخرين. يضمن العطاء شعوراً إيجابياً جداً لأنه يعزز مستوى تقديرنا لنفسنا. هكذا نشعر بأننا أشخاص أسخياء ومسؤولون، ما يمنحنا شعوراً عارماً بالسعادة والارتياح. لكن يحصل ذلك أيضاً لأن إنفاق المال من أجل الآخرين يحسن العلاقات القائمة معهم. فقد أثبتت دراسات عدة أن الأشخاص الذين يقيمون علاقات اجتماعية سليمة يشعرون بسعادة أكبر بكثير من الأشخاص المعزولين.

خوف مَرَضي من النقص

نخشى جميعاً أن نفتقر يوماً إلى المال لكن يصبح هذا الخوف مَرَضياً بالنسبة إلى البعض. يقرر كثيرون مثلاً الاستقالة من عملهم لإطلاق مشروع مختلف يوفر لهم مستوى أعلى من الأرباح.

 أما الشخص الذي يخاف من نقص المال في حياته، ولو بشكل لاواعي، فلن يجرؤ على الاستقالة لأنه يظن أن هذا العمل الجديد ليس مضموناً وأنه قد يكون محكوماً بالفشل وسيقوده إلى البطالة في نهاية المطاف. بالتالي، يمكن أن يؤدي الخوف من نقص المال إلى شلل معين في الحياة، فيمتنع الشخص المعني عن المشاركة في أي مشروع يمكن أن يوفر له عائدات إضافية. قد يرتبط هذا الخوف على المستوى المادي بالخوف من النقص بشكل عام. يخشى الفرد أن ينقصه الحب أو الصحة أو الغذاء...

حين يخرج الخوف عن حدود المعقول، لا يعود الفرد قادراً على اتخاذ قرارات صائبة. يطلق هذا الشخص أحكاماً خاطئة ولا يجيد حصر سبب المشكلة الحقيقي بسبب مبالغته في التفكير باحتمال فقدان عمله أو بسبب تراجع عوامل الثقة والأمان في حياته. لذا يمكن أن يتخذ الشخص قرارات غير منطقية: في هذه الحالة، يتحكم الخوف بقرارات الأشخاص الذين لا يُقدِمون على الخطوات التي تصبّ في مصلحتهم.

يمنع الخوف المَرَضي من نقص المال الشخص من إحراز التقدم في حياته. يعكس هذا الوضع عموماً تراجع الثقة بالنفس. يخشى الفرد مثلاً ألا ينجح في عمله الجديد، وهو وضع نموذجي لدى الأشخاص الذين لا يثقون بقدراتهم. تشتق هذه المشكلة من مرحلة الطفولة، إذا لم يكن الطفل يحظى بأي تقدير من والديه أو إذا واجه فشلاً صادماً. لكبح هذا الخوف من نقص المال، يجب استهداف سبب المشكلة الرئيسي واستعادة الثقة بالنفس.

بالنسبة إلى الآخرين، يمكن أن تُترجَم قلة الثقة بالنفس وعلاقتها بالمال بطريقة مَرَضية. في هذه الحالة، يعتبر الشخص أنه لا يستحق المال الذي كسبه. هذه الحالات شائعة جداً وهي تترافق مع العواقب نفسها: قد يرفض الشخص قبول الترقية في العمل أو تغيير عمله وتحسين مستواه. هكذا يعيق الفرد مساره بنفسه بطريقة غير مباشرة.

الخوف الأصلي

يتمثل الخوف على مستوى المال بفقدان الأملاك أو الخوف من الحرمان. الأشخاص الذين عاشوا حدثاً صادماً مثل الحرب أو مختلف الأزمات المؤثرة يتعرفون إلى هذه المخاوف بسهولة لأنهم عاشوا تجربة الحرمان سابقاً. لكن يرتبط الخوف من المال بالخوف الأصلي من الموت. لتجاوز المشكلة، نسعى إلى تأمين حياتنا وصيانة الأماكن التي نقيم فيها، فنحدد القواعد ونلجأ إلى شركات التأمين ونسنّ القوانين. يعكس المال في هذه الحالة أعلى مستوى من الأمان، فيظن البعض أنه سيحميه من المشاكل والفقر والاضطرابات وحتى الموت أحياناً، لكنها أفكار خاطئة.

في أغلب الأحيان، يكون القلق بشأن المال إرثاً من الطفولة، بحسب المبادئ المكتسبة من الأهل في هذا المجال. يسمح تحليل علاقتنا مع المظاهر المادية بإقامة رابط سليم مع المال. إذا كان الاضطراب كبيراً، يمكن استشارة أهل الاختصاص لتجاوز هذا القلق الذي يعيق الحياة.

تحويل الأزمة إلى وضع إيجابي

يمكن أن تتحول تجربة نقص المال إلى وضع إيجابي ويمكن الانتقال من الإحباط إلى القبول ومن لعب دور الضحية إلى تحمّل المسؤولية. هكذا تتحول المحنة إلى بداية مرحلة جديدة، حتى اليوم الذي نستعيد فيه الابتسامة. يجب التحرر من المشاعر السلبية وتطوير جانب عميق ومحوري في داخلنا: إنه الجزء الذي يجعلنا نشعر بالأمان ويعيدنا إلى أرض الواقع ويعزز تواصلنا مع {الأنا العليا} بطريقة سليمة، بغض النظر عن الظروف الخارجية. على صعيد آخر، يجب استعادة حياة مجرّدة من مشاعر اللوم والندم كي نتمكن من عيش حياة غنية ومثمرة لا مكان فيها للمظاهر السلبية.

لتحقيق تلك الأهداف كلها، تشمل الخطة الفاعلة: المضي قدماً، تقبّل الدروس التي نتعلّمها من الحياة، مواجهة التحديات وتحمّل مسؤولية الأحداث في حياتنا. تعني هذه الخطة أيضاً الإقدام على الخطوة التي تضمن تقدّمنا وتغيير مصدر طاقتنا، أي تحويل الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية عند الحاجة، وإيجاد التوازن اللازم بين الطموحات وحدود القدرات الذاتية.

يعني ذلك أيضاً عيش الحاضر بكل صدق. باختصار، يجب أن نتطور داخلياً ونبلغ مرحلة من التركيز والشغف والهدوء والقوة ونتمكن من فهم كل شيء، حتى لو تجاوز بعض الأمور حدود المنطق. إنه مسار مفيد لتخطي هذا الخوف المزمن من النقص!