الحرب تقترب من عامها الرابع وسورية تتحول إلى ممالك ممزقة

نشر في 27-12-2014 | 00:01
آخر تحديث 27-12-2014 | 00:01
No Image Caption
لا حسم عسكرياً رغم سقوط 200 ألف قتيل
● استهداف «داعش» أطلق يد النظام في ضرب المعتدلين
بمزيد من الضحايا، تودّع سورية عاماً من المعاناة والقتل والتشريد، حيث سقط أكثر من 200 ألف شخص، وشرد الملايين، والدولة تزداد تمزقاً لأسباب كثيرة جعلت من الصعب على أي طرف حسم المعركة، ليبقى المستفيد الأول أمراء الحرب والممالك الممزقة.

مع اقتراب الحرب في سورية من إكمال عامها الرابع يتراجع شكل الدولة أكثر وأكثر لمصلحة مجموعة من الممالك المتحاربة، مما يجعل القوى الأجنبية أكثر عزوفاً عن التدخل في هذا البلد، حتى مع تحوله بشكل أكبر إلى بؤرة لتقويض استقرار المنطقة.

ودخلت الولايات المتحدة الحرب في سورية أخيراً هذا العام بعد ثلاث سنوات من قول الرئيس الأميركي باراك أوباما، إن على الرئيس بشار الأسد التنحي، لكنها فعلت ذلك على مضض خاصة بعد التقدم الخاطف لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وبشكل لا يمثل تحدياً للأسد.

وبعد سقوط 200 ألف قتيل وتشرد الملايين، يمكن أن تزداد سورية تمزقاً لأسباب كثيرة أضيف إليها الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط في ديسمبر، ليجعل هذا الضغط الاقتصادي الإضافي من الصعب على أي طرف إحراز تقدم حاسم.

وتبددت محاولات إيجاد «حل سياسي» تقول القوى الدولية إنه الطريق الوحيد للمضي قدماً، ربما في صورة تسوية بين الأسد وخصومه، بل ليس من الواضح الآن من سيكون طرفاً في أي حل مستقبلي.

 فأقوى الجماعات المناوئة للأسد هي في الأساس جماعات الإسلاميين المتشددين مثل «داعش» وجبهة النصرة التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة. ويمقت الغرب التنظيمين تماماً مثلما تفعل روسيا وإيران اللتان تدعمان الأسد.

الخيار الثالث

ويقول محللون إن القوى الغربية ومعارضي الأسد الإقليميين مثل السعودية يرون الآن، إن الجماعات المهيمنة في الحرب لا يمكن دعمها، مما يحد من خيارات تلك الدول.

وقال ناصر قنديل، المشرع السابق الذي يرأس تحرير صحيفة لبنانية وتربطه علاقات طيبة بدمشق، إن «فكرة وجود معارضة للأسد تبخرت بالنسبة للسعودية»، مضيفاً أن عليها «الاختيار المتاح الآن هو إما الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وإما الأسد ولا يوجد خيار ثالث».

وتابع قنديل أنه بدلا من ذلك اختار كثير من اللاعبين الإقليميين وربما القوى الغربية استراتيجية التراجع، مما يعني ترك الجماعات المتحاربة في سورية تحسم المواجهة بنفسها.

مساعدة غير مباشرة

وتقول واشنطن إن دعم معارضي الأسد «المعتدلين» جزء من استراتيجيتها، لكنها بقصف مواقع «داعش» يومياً وشن بعض الغارات على مواقع جبهة النصرة أطلقت يد سلاح الطيران التابع للأسد لقصف معارضين آخرين في أماكن أخرى.

وانقسمت قوات المعارضة، التي حظيت بدعم خجول من القوى الغربية، إلى مئات الجماعات التي يتناقض كثير منها في الفكر والمصالح.

وتقاتل ميليشيا كردية ضد الدولة الإسلامية بالتنسيق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، مثلما يحدث في المعركة المستمرة منذ ثلاثة أشهر في مدينة كوباني، لكن تلك الميليشيا تلعب دورا صغيرا خارج الجيب الكردي.

وتلعب الميليشيات الموالية للأسد دوراً في الصراع أكبر من أي وقت مضى. وقالت لينا الخطيب مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إن كثيراً من أمراء الحرب يبرزون على الساحة في البلاد، مما يجعل من الصعب على الحكومة السيطرة عليهم، وهو ما يزيد الضغط على الأسد. وأضافت أنها تعتقد أن 2015 سيكون عام الفوضى الشاملة في سورية.

ميليشيات متعددة

ويقول محللون كثيرون إن الضربات الجوية ضد «داعش» لن تفعل أكثر من كبح الجماعة التي حصنت نفسها جيداً في الأجزاء التي تسيطر عليها في سورية.

ويبدو أن بعض «المعتدلين» أو المتمردين غير الجهاديين يعلقون آمالهم على فكرة أن التدخل العسكري الأميركي يمكن أن يتحول ضد الأسد، ربما بضغط من الحليفين الإقليميين تركيا والسعودية وكل منهما خصم شرس للأسد.

وتخطط إدارة أوباما لتنفيذ برنامج يستمر عدة سنوات لتدريب وتسليح المتمردين «المعتدلين» والقوات المحلية.

وتريد تركيا أيضاً من الولايات المتحدة إقامة «منطقة عازلة» على حدودها مع سورية لحماية المعارضين المعتدلين، رغم أن المسؤولين الأميركيين قللوا من شأن تلك الفكرة.

وقال جوشوا لانديس الخبير في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما، إنه حتى مع إقامة منطقة عازلة، فإن الأمر سيحتاج الى موارد أكثر بكثير مما تعهدت به الولايات المتحدة «للأخذ بيد حفنة من الميليشيات المنقسمة التي تسيطر على واحد أو اثنين في المئة من سورية وتحويلها إلى قوة تفتح كل الأراضي (السورية)».

وأشار إلى إنفاق الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات خلال سنوات من الاحتلال العسكري للعراق، الذي مازالت حكومته تكابد لتحقيق الاستقرار.

وقال لانديس «لن يفعل أحد ذلك من أجل سورية. كل الأطراف. كل هذه الجيوش التي تحارب بالوكالة في سورية يبدو أن داعميها مستعدون لإنفاق أموال تكفي فقط لجعلهم لا يخسرون لكن لن يقدموا ما يكفي لتحقيق مكاسب حاسمة».

قضايا ليست محسومة

ويمكن أن يشكل الانخفاض الحاد في أسعار النفط هذا العام ضغطاً على مؤيدي الأسد، إيران وروسيا، وإن كان من غير المرجح أن يوقف البلدان دعمهما تماماً. ويمكن أن يؤثر انخفاض الأسعار على أعداء الأسد أيضاً، وكثيرون منهم يتلقون الدعم من الدول العربية الخليجية الغنية بالنفط.

لكن مصير الأسد نفسه لا يبدو قريباً من الحسم، فقد استمر فترة أطول كثيراً مما توقع مراقبون عندما اندلع التمرد ولا يوجد أي مؤشر على أنه سيترك الحكم. حتى لو فقد الحظوة لدى داعميه الخارجيين فإنهم سيعملون جاهدين على إيجاد بديل.

المبعوث الأممي

أما مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سورية ستيفان ديميستورا، الذي شغل هذا المنصب بعد استقالة مبعوثين سابقين لشعورهما بالإحباط، فيبدو أنه أدرك أن إيجاد حل شامل للصراع في هذه المرحلة أمر غير عملي.

وبدلاً من حل شامل ركز ديميستورا على التوسط من أجل إيجاد «مناطق مجمدة» تتوقف فيها العمليات العسكرية أو اتفاقيات هدنة محلية في مدينة حلب بشمال البلاد، وهي خطة يبدو أنها تقر بواقع دولة مقسمة بين مئات الجماعات المحلية.

في نفس الوقت يستمر تفتت سورية، وهو أمر يبدو أنه يفيد لاعباً واحداً فقط هو تنظيم «داعش»، الذي أظهر مهارة كبيرة في إقامة الهياكل الإدارية لملء حالة الفراغ والفوضى التي خلفتها الحرب.

وقد عبّر مقال بصحيفة الحياة التي تصدر في لندن عن هذا الوضع بكل صراحة. يقول الكاتب: «من بين كل القوى التي تقاتل في سورية فإن تنظيم الدولة الإسلامية وحده هو الذي يملك استراتيجية محددة بوضوح للحاضر وللمستقبل».

(دمشق، بيروت - رويترز)

back to top