سنوات النفط العجاف!

نشر في 02-12-2014
آخر تحديث 02-12-2014 | 00:01
 د. حسن عبدالله جوهر يجب ألا نعالج الوهم بالوهم، ونركن إلى الكسل من جديد، أو حتى نكتفي بطرح جملة من المزايدات السياسية حول التقشف ومزايا كبار المسؤولين، كما أن تهديد المواطن عبر التلويح بوقف الدعم أو فرض رسوم وضرائب قد لا يكون مجدياً.

 المؤشرات الحالية تدل على أن أسعار النفط سوف تدخل في بيات شتوي قد يطول أمده عدة سنوات، وإذا أخذنا سيناريوهات تاريخ النفط نجد أن انخفاض الأسعار قد يستمر من خمس إلى سبع سنوات مثلما حصل في بداية عقد السبعينيات ونهاية الثمانينيات والنصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن الماضي، ولذلك فإن الحالة الراهنة قد تكون صورة مكررة لما سبق.

في ظل هذا الانكماش المالي المفاجئ والقابل للمزيد من التراجع يأتي التحدي الرئيسي للحكومة والمجلس وكذلك عموم الشعب الكويتي في مواجهة مرحلة كهذه، علماً بأن الاقتصاد الكويتي يعد من أكثر الاقتصادات تماسكاً ومتانة، والإيرادات المالية من عوائد الاستثمار بالتأكيد تعوّض جانباً مهماً من العجز النفطي، ولكن يجب ألا نعالج الوهم بالوهم، ونركن إلى الكسل من جديد، أو حتى نكتفي بطرح جملة من المزايدات السياسية حول التقشف ومزايا كبار المسؤولين، كما أن تهديد المواطن عبر التلويح بوقف الدعم أو فرض رسوم وضرائب قد لا يكون مجدياً، ولا تتحمل الحكومة وحتى أعضاء مجلس الأمة القدرة على الصمود فيها أمام الغضب الشعبي.

طرحنا في مقال سابق تجربة النرويج التي بحجم الكويت في عدد السكان وفي مدخولها النفطي وإيراداتها من الصناديق السيادية، ومع ذلك لا تدخل هذه الموارد في حساب الميزانية العامة للدولة أو الإنفاق الحكومي، وتعتمد النرويج على الإنتاج الاقتصادي الحقيقي والمشاريع الاستثمارية والتشغيلية القائمة على المورد البشري وحسن إدارته، وهذه السياسة هي التي جعلت من النرويج صاحبة المرتبة الأولى عالمياً في جميع مؤشرات التنمية كالتعليم والصحة والنمو الاقتصادي ومتوسط دخل الفرد.

الأزمة النفطية الحالية هي المحك لفكر وتوجه الحكومة في بناء مرحلة جديدة وتأسيس ثقافة مجتمعية يكون الشعب فيها شريكاً حقيقياً من خلال عمله وأدائه، وإعداد خطة تنموية فيها من البدائل والخيارات ما لا يعتمد على السيولة المالية المتدفقة من بيع النفط فقط، فالنظرة السطحية بأن مكافآت بعض المسؤولين، التي لا تتجاوز 100 ألف دينار يجب أن توقف، بالتأكيد لا تَحل لنا خسارة يومية حقيقية تزيد على 100 مليون دينار!

من جهة أخرى، فإن الخيار المطروح في ظل تراجع أسعار النفط واستمراره عدة سنوات يعني اللجوء إلى استقطاع اللحم الحي من أصولنا المالية وأرصدتنا المدخرة من تراكمات الفوائض السابقة، ولكن هذه الأموال لا تعني السماح بإنفاقها وفق النمط الاستهلاكي القائم بقدر ما يستوجب الأمر التفكير جيداً في صرفها في مشاريع أو خدمات تدر علينا عوائد مجدية، فذلك هو الاختبار الحقيقي لقدرة الحكومة على إدارة شؤون الدولة بعقلية مسؤولة، وتاريخ البشر حافل بمثل هذه التحديات، فالأفكار والمواهب الإنسانية لا النفط والكنوز المالية هي التي صنعت أمماً مثل اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا والنرويج وألمانيا وفنلندا، فتجاوزت السبع العجاف والسنبلات اليابسات لسبب واحد هو وجود القوي الأمين!

back to top