على نحو مفاجئ أو غير مفاجئ، بدأ ناشطون عراقيون يتحدثون على مواقع التواصل، عن «تظاهرات تزلزل بغداد»، وتطالب بتسليم الملف العسكري إلى «الحشد الشعبي» والميليشيات الشيعية وإقالة وزير الدفاع، قائلين إن حكومة حيدر العبادي تفشل في إدارة المعارك، وتحاول استرضاء واشنطن على حساب «الدم العراقي»، كما تحاول تقديم تنازلات مهينة للقوى السنيّة والكردية.

Ad

وباختصار فإن هذه الاتهامات هي اتهامات إيرانية للعبادي، ويقوم بترويجها منذ شهور الميليشيات القريبة من قائد الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، وأنصار نوري المالكي رئيس الحكومة المطاح به، ومتشددو الشيعة، بينما ينخرط المقربون من مرجعية النجف في الدفاع عن المسار الإصلاحي البطيء للحكومة، في انقسام شيعي حاد عابر للحدود، أدى إلى تعطيل كثير من التسويات المطلوبة مع القوى السنيّة، وأيضاً مع المحيط العربي.

ويحاول الناشطون في هذه الأجواء استغلال انتكاسة عسكرية حصلت قبل أيام شمال الأنبار، قرب سدود استراتيجية على الفرات، تعرف بمنطقة ناظم الثرثار، حيث تقول الشائعات إن الحكومة فشلت في تقديم الإسناد لقوة من الجيش، ما أتاح لـ»داعش» أن يعدم 140 من الضباط والجنود.

لكن الحكومة ترد بالقول إن هذا تضخيم للخسائر التي لم تتجاوز نحو 13 قتيلاً، بينهم قائد فرقة و8 مفقودين، معظمهم قضوا بتفجيرات انتحارية.

ويقول مطلعون إن هذه فرصة كبيرة لجناح سليماني كي يثأر من العبادي، الذي قال في واشنطن قبل نحو أسبوع إنه «لم يكن من المناسب أن يوزع سليماني صوره وهو يتجول في العراق».

وتعد هذه العبارة التي احتفى بها الإعلام الأميركي على نطاق واسع، أبرز تحدّ يقوم به فريق «الشيعة المعتدلين» للحرس الثوري، الذي يحاول بناء نفوذ يثير مخاوف الشيعة قبل السنّة، ويهدف لبناء نفوذ سياسي غير مسبوق للميليشيات في الحياة السياسية المرتبكة أساساً.

ويؤكد العارفون بالكواليس الشيعية، أن ما يحصل من تصعيد ضد العبادي مرتبط بمشادات كلامية عدة وقعت بينه وبين بعض قادة «الحشد الشعبي»، لكنهم يهوّنون من أهمية ما يحصل، معتقدين أن وجود مرجعية السيستاني القوي سيمنع أي تدخّل عسكري واضح في العملية السياسية، لكنهم لا يقللون من خطورة الرسالة التي تبعثها إيران للعبادي، ويعتبرونها موجهة إلى السيستاني نفسه، الداعي لإشاعة مناخ تصالحي لإنجاح الحرب ضد «داعش»، خلافاً لمسار إيراني يستند إلى فكرة تعظيم النفوذ بمزيد من الانقسام الاجتماعي والطائفي في الشرق الأوسط كله.