عملية الانشطار النووي التي تحدث بانقسام نواة ثقيلة إلى قسمين أو أكثر، ومنها تتحول العناصر إلى أخرى، ومنها إلى نيوترونات وفوتونات، هي بالضبط ما يحدث لمجتمعات انشطرت طائفياً، والطبيعي أن تكون هناك اختلافات داخل المجتمع الواحد والوطن الواحد، لكن هذه الاختلافات يجب أن تتحول إلى جسور للتعايش والتعاون، وهذا الأساس الذي أمر به الخالق سبحانه «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، وليس لتتحاربوا.

Ad

 فالتعارف دعوة لمعرفة الآخر والتعايش مع اختلافه واحترام إنسانيته، لكن مؤسسي شركة الفتنة لهم مكاسب مربحة جداً: مناصب عليا وأموال هائلة لفئة محدودة، أما المساهمون فلا يجنون سوى الفتات، والخسارة الطبيعية لشركات كهذه ليست أموالاً ومناصب فقط، بل وطن يمزق انشطارياً كبقايا مفاعل نووي دمر بمن حوله.

فواجب الحكومات وأجهزتها المتعددة ودور المجتمع نبذ من يروج لتلك البضاعة الفاسدة والمدمرة، وعدم ترك الساحة لثقافة الكراهية وإلغاء الآخر.

للأسف يصبح المجتمع هشاً بانتشار تلك الآفة، فتصبح مجتمعات متعايشة لسنين كقطعة «بسكويت» سهلة الكسر لا يحتاج العدو الخارجي أي مجهود للسيطرة عليها، إذ لا يكون هناك بعد الانشطار المجتمعي أي مقاومة، وبدلاً من تبادل الثقافة التي تطور وتنمي وتثقف الفرد وتعزز لغة الحوار يسعى البعض إلى نشر لغة الكراهية ونقل أمراض التطرف، التي يعرف أبسط الأشخاص أنها ما دخلت بلداً إلا وحل به الدمار، والخاسر هو الجميع.

 دول كثيرة تملك الأرض الخصبة والثروات الطبيعية والبشر لكنها دمرت بسبب لغة الرأي الواحد، فبعض تلك الأنظمة حولت لغة التنوع الطبيعي إلى لغة إلغاء الآخر، فمن يزرع الريح بالطبع لن يحصد غير العاصفة التي ستقتلعه من جذوره، وإن طال الوقت، والغريب أن بعض من يعارض تلك الأنظمة يستخدم تلك اللغة المدمرة، إذاً فالمسألة أعمق من أنظمة تعتاش على «فرّق تسد» بل ثقافة مجتمع تحتاج جهداً من الجميع.

 وليست القضية فقط صناديق انتخابية، فهتلر نجح في انتخابات حرة، فالأصوات التي تتجه قبلياً وطائفياً نتائجها وخيمة، وهي تعزز لغة الكراهية وإلغاء الآخر، ناهيك أن معيارها ليس التخصص والكفاءة بل الدم، وأي ناتج لفكر كهذا سوى الخراب؟! وحينئذ يغدو الحديث عن ثقافة تطوير المناهج كأحاديث العنقاء والخل الوفي! فابدأ بنفسك عزيزي القارئ وبيتك، وعندها نستطيع أن نعمر كما أمرنا الخالق سبحانه، فالمجتمع نواته الأسرة، وهنا يصبح الانشطار محبة تنتشر بين الجميع.

ملاحظة: الغريب أنه بعد كل جريمة إرهابية تنتشر إشارات التنديد والحث على الوحدة الوطنية والتعايش، في وسائل التواصل الاجتماعي التي حولها البعض إلى تناحر اجتماعي! والسؤال: مَن قبل أيام كان يصفق ويروج للتحريض؟!