انطلاقا من عنوان الندوة "العرب... أزمة واقع أم أزمة فكر؟" التي أدارها الكاتب خالد أشكناني؛ طرح عميد كلية الآداب السابق في جامعة تونس د. عبدالمجيد الشرفي مجموعة من الأسئلة، مشيرا إلى جدلية العلاقة بين الفكر والواقع التي تؤثر وتتأثر في علاقة طردية متبادلة، وهو ما عبر عنها بما هو أشد من "الأزمة العابرة"، واصفا إياها بالمأساة، لعمق الصعوبات البنيوية التي لا يمكن التخلص منها بسهولة في المستقبل المنظور.

Ad

وتمثل د.الشرفي ببعض العلامات التي تصف الواقع العربي، حيث "تمثل المنطقة العربية بحسب الإحصائيات العالمية الأكثر تفاوتا وتباينا في معدل الدخل الاقتصادي بين الشعوب، إضافة إلى أن المنطقة العربية سجلت أكبر معدل لخرق حقوق الإنسان وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والأقليات، ونسبة الأمية المتفشية إلى اليوم تمثل أهم عوائق التطور والتي تبدو كل محاولات التحديث أمامها عاجزة ".

وأشار د. الشرفي إلى أن المنطقة العربية لم تعرف الاستقرار منذ أكثر من قرن، والكيانات فيها هشة، "فنحن لم نستوعب بعد أننا نعيش في نطاق "الدولة الأمة"، ويكفي الاستماع إلى خطيب الجمعة في أي بقعة لإدراك أنه يتحدث إلى الناس كمسلمين فحسب لا كمواطنين، من دون استيعاب لمختلف الانتماءات والأخطار التي تهدد هذه الكيانات"، واستطرد قائلا: وهذا الوضع الاستراتيجي ليس العرب وحدهم مسؤولين عنه، بل الدول التي فتتت المنطقة إلى كيانات متشظية بنزاعات إثنية عرقية طائفية وفقا لمصالحها.

مؤسسات التجهيل

 

وركز د. الشرفي على البنية التحتية للمجتمعات، مشددا على أهمية التعليم، ووصف النظام التعليمي في البلدان العربية بـ"مؤسسات لإنتاج الجهل في عصر العلم"، وأكمل: مدارسنا تعتمد على التلقين والحفظ، وهو ما يعزز الجهل المركب، حيث أوجدت جهالا يجهلون جهلهم، يرددون مسلمات أصبحت بديهيات لا تقبل النقاش، وأنتجت التعصب والانغلاق على المستوى المجتمعي، معادية لاستقلال الشخصية الفردية، والتي تمثل أهم مقومات المجتمعات الحديثة، وتعادي كل فكر نقدي، ولا يمكن بذلك المساعدة على الإبداع والاكتشاف والمغامرة، لأنها تكرس للمحافظة على نظم قديمة عفا عليها الزمن ولكنها قائمة"!

وانتقد التقليد المتعصب لمظاهر التدين، مشيرا إلى أن المسلمين الأوائل ومنهم الصحابة كانوا يراجعون مقتضيات الواقع ويشرعون بحسب احتياجاتها ومستجدات زمنهم، منوها بإبراهيم النظّام، المعتزلي الذي أسس التفكير العقلي في الإسلام، مشيرا إلى أهم ما جاء من آراء متمردة على ما ساد في عصره ، والذي تم تغييبه وتهميشه لأنه "محرج للضمير العادي"!

 

الإعراض عن التراث... جهل

 

وفي نهاية أطروحته، أكد 

د. الشرفي ضرورة توحيد الطقوس العبادية ولو تدرجا، لأنها أساس الأديان، فالمؤسسات الدينية قديما هي التي اقتضت ان يكون لكل دين منظومة عقدية وأخلاقية وتشريعية وطقسية يتميّز بها عن غيره من الأديان، فاصطبغت بالقداسة حتى أضحت بديهية في نفوس المؤمنين، بينما هي في حقيقتها منظومة بشرية تاريخية أي "نسبية"، متأثرة بقِيَم المجتمعات التي ظهرت فيها وبثقافتها الموروثة، مبينا أن ذلك ما يفسّر الصعوبة التي تجدها السنن الدينية الكبرى، والتوحيدية منها على وجه الخصوص، في التأقلم مع القيم التي أفرزتها الحداثة، وهي قيم غير مسبوقة في تاريخ البشرية. والتي اكتسبت، منذ أن اكتسحت الحداثة كل ميادين الحياة العصرية، أبعادا أخرى تجاوزت بها ما ينتمي إلى الماضي.

وردا على مداخلات الحضور، أكد د.الشرفي على أنه من المؤمنين بضرورة التحديث، بلا مقاطعة وانتزاع للتراث، والحداثة التي تستجيب للفهم والذائقة والوعي والمخيال، رافضا طي التاريخ والتنصل منه.