سئمت تكاليف الحياة ومن يعش

Ad

ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم

 رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

بيتان من الشعر من معلقة زهير بن أبي سلمى أحد أشهر شعراء العصر الجاهلي، يتحدث فيهما عن الموت وملله من الحياة بعد أن بلغ 80 عاماً، تحمل فيها مشاق الحياة وصعابها الكثيرة، ويتعجب من الموت، وكيف يصيب الناس بدون ترتيب في السن، وشبهه بالناقة التي لا تبصر ليلاً؛ فتتخبط في سيرها تارة تصيب وتارة تخطئ، وكذلك الموت– في رأيه- قد يصيب الصغير في السن فيموت ويترك الكبير ليطول عمره ويهرم.

تذكرتهما وأنا أحتفل مع نفسي اليوم بذكرى مولدي، وتساءلت إن كان الشاعر احتاج 80 عاماً ليسأم من الحياة منذ أكثر من 1500 سنة، فكم يحتاج إنسان هذا العصر الذي نعيشه؟!

سؤال قد يبدو غريباً في هذا اليوم، ولكن تكاليف الحياة (مشاكلها وصعابها) اليوم تختلف تماماً عما كانت عليه في زمن ابن أبي سلمى، فلم تعد الناقة العشواء والصحراء الجافة، وقلة الزرع، وصعوبة الرعي، هي الصعاب التي يكابدها الإنسان، ولكن أصبح الإنسان محاطاً بالصراعات الطائفية والنزاعات العرقية واختلاف الأفكار والأيديولوجيات السياسية، وأصبح فريسة للتكنولوجيا، فأصابه القلق والاكتئاب، فكم من السنين يمكن أن يعيشها الإنسان متحملاً كل ذلك؟!

سيقول المتشائمون إن الإنسان لم يعد في حاجه لأكثر من 30 إلى 40 سنة ليسأم الحياة ويملها، والدليل أن معدلات الانتحار في السن الصغيرة دون الأربعين أكبر ممن هم فوق الستين، في حين يرى المتفائلون– وأنا منهم- أن الإنسان اليوم لم يعد يسأم الحياة ولا يملها، بل يحبها ويعشقها، وإن زيادة نسبة الانتحار بين الشباب إنما تعود إلى قلة خبرتهم وضعف ثقتهم بأنفسهم، ونقص إيمانهم بقدرتهم على مواجهة المشاكل، وإن استطاعوا تجاوز هذه المرحلة زاد تمسكهم وتشبثهم بها، وارتفاع معدلات عمر الإنسان يؤكد ذلك، فالإنسان يسعى بكل قوته ويستعين بعلمه للبقاء متشبثا بالحياة، إن أصابه مرض أسرع إلى علاجه، وإن أقبل عليه الموت يفر منه فرار الأرنب من الأسد الجائع، متمنياً أن يطول عمره ليظل متمتعاً بنعم الحياة التي تحيط به والتي تزداد يوما بعد آخر.

يقول سبحانه وتعالى "قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (*) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ". (البقرة 94-95)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً، فلعله يزداد وإما مسيئا فيستعتب".

   هذه هي النظرة الدينية الإيمانية للموضوع، وهي باختصار كراهية تمني الموت أو السأم من الحياة، فالحياة نعمة من الله تعالى، وهي فرصة الإنسان الوحيدة ودار عمله واختباره لينعم بجنة الله في الآخرة.

 وأختم بحديث رسولنا الكريم "لا يتمنى أحدكم الموت لضرّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي".

وختاما أقول لنفسي تلك العبارة الخالدة التي يرددها الجميع "كل سنة وأنت طيب".