أمر طبيعي، ومعتاد، أن تحتفي القنوات الفضائية بأفلام النجم إسماعيل يس (15 سبتمبر 1912 - 24 مايو 1972)، إذ ينظر له الجميع بوصفه  «الأيقونة» الساطعة التي لم تتكرر في سماء الكوميديا، وصاحب الرصيد الأكبر من الأدوار السينمائية (ما يزيد على مئتين وسبعة أفلام)، والنجم الذي حملت عناوين الأفلام اسمه، في واقعة نادرة في تاريخ السينما المصرية، مثلما رأينا في أفلام: «إسماعيل يس في متحف الشمع، عفريتة إسماعيل يس، إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة، إسماعيل يس في الجيش، إسماعيل يس في البوليس، إسماعيل يس للبيع، إسماعيل يس في جنينة الحيوان، إسماعيل يس في الأسطول، إسماعيل يس في دمشق، إسماعيل يس في مستشفى المجانين، إسماعيل يس طرزان، إسماعيل يس بوليس حربي، إسماعيل يس في الطيران، إسماعيل يس في السجن».

Ad

 لكن اللافت أن غالبية القنوات، والمتخصصة منها على وجه التحديد، استمرأت «اللعب على المضمون»، ولم تخرج مرة عن المألوف، وبدلاً من أن تبحث في رصيده الوافر عن أفلام طازجة لم تُستهلك راحت تكرر عرض أفلام بعينها، وكأنه لم يمثل غيرها، فالأفلام التي صورها في لبنان مثل: «لقاء الغرباء، كرم الهوى، طريق الخطايا، عصابة النساء» لا أثر لها كما أن أحداً لا يذكر أن قناة عرضت أفلاماً مثل: «كيلو 99»، الذي شارك في كتابته وإخراجه إبراهيم حلمي وعبد العزيز جاد، «حايجننوني»، الذي كتبه عبد المنعم مدبولي، «المفتش العام» المأخوذ عن مسرحية بالاسم نفسه للكاتب العالمي جوجول، «رحلة إلى القمر» سيناريو وإخراج حمادة عبد الوهاب، «الست نواعم» إخراج يوسف معلوف و{مملكة النساء»، الذي كتب قصته وأنتجه الريجيسير قاسم وجدي!

لهذا السبب كانت فرحتي كبيرة بإقدام إحدى الفضائيات على عرض فيلم نادر بعنوان «عفريت عم عبده» بطولة إسماعيل يس، الذي قدمته العناوين بوصفه «ملك الفكاهة في الشرق»، وشاركه البطولة الوجه الجديد حبايب، التي تم اكتشافها في مسابقة أصوات نظمتها مؤسسة دار الهلال، بالإضافة إلى شكري سرحان، هاجر حمدي، محمود المليجي، عبد السلام النابلسي والسيد بدير. تدور أحداثه حول «حبايب»، التي ترك لها والدها ثروة هائلة لكنه خبأها في مكان غير معلوم خشية أن يستولى عليها شقيقه الشرير، وبعد شد وجذب، وكر وفر، تنتهي المواجهة بهزيمة الأشرار (المليجي والنابلسي) على أيدي الأخيار (يسن وسرحان وحبايب).

لكن الفيلم الذي كتب قصته حسين فوزي وأنتجه وأخرجه، وصاغ حواره أبو السعود الإبياري، اتسم بطرافة وإثارة، ابتداء من الرسالة الغامضة الدالة على مكان اللغز (10 عريانين ووسطهم واحد بحزام ذهب) مروراً برحلة انتقال الخاتم الذي يحمل خارطة الكنز إلى أشخاص كثُر (اختار المخرج أن يكونوا ضيوف شرف من المشاهير وقتها: حسن فايق، فريد شوقي، زينات صدقي والمطرب الشعبي محمد عبد المطلب) وصولاً إلى حسم المعركة بدعم من «عفريت عم عبده» (السيد بدير) الذي أزعم أنه البطل الدرامي الحقيقي للفيلم، ومبعث الجدة على صعيد الفكرة، فهو حالم بتدشين جريدة تحمل اسم «أخبار بكره» تتنبأ بالمستقبل، ويسعى إلى توطيد علاقته بأرواح العالم الآخر ليسهلوا له مهمة الانفراد بأخبار الغد، وهي الأمنية التي تتحقق عقب مقتله على يد الشرير «شديد» (محمود المليجي) حيث يبشر بثورة 23 يوليو 1952، قبل اندلاعها، ويتوقع رحيل الملك فاروق، وموت «فسدق» (إسماعيل يس) في حارة «العيش والملح». وتتحقق النبوءة لكن إسماعيل يس لا يموت، لأن البطل لا يموت في السينما المصرية، بل يموت الشرير، الذي كان يرتدى بزة «فسدق»، وفي آخر نبوءات «أخبار بكره» يزف «عفريت عم عبده» للجميع خبر زواج «حبايب» وشكري سرحان!

المفارقة أن قراءة فيلم «عفريت عم عبده» تقودنا إلى شعور جازم أن أمراض السينما المصرية واحدة في كل العصور، فهناك المشهد الذي يضم الراقصة (هاجر حمدي) والمطرب الشعبي (محمد عبد المطلب) ويُقدم كاملاً من دون اعتبار للإيقاع أو التفات إلى الضرورة الدرامية، تماماً مثلما نرى في الأفلام التي تنطلق من «الخلطة السبكية»، والنجم الكوميدي – إسماعيل يس هنا – يعتمد المبالغة والتكرار في الأداء، ويبدو جلياً أن المخرج ترك له الحبل على الغارب ليفعل ما يحلو له خشية ٍٍٍٍٍٍسطوته، ووضعيته التي ينصاع لها كبار المنتجين، بمعنى أنه «بيمثل بشروطه»، لكن المخرج حسين فوزي نجح – في المقابل – في تقنين الجرعة، باستثناء الأغاني الثلاث المحشورة، وإضفاء الكثير من المصداقية على المواقف الدرامية، كذلك نجح في المواءمة بين الإمكانات التقنية الفقيرة المعمول بها في تلك الفترة (مطلع الخمسينيات من القرن الماضي) والرؤية الدرامية التي يطمح للوصول إليها، ومن ثم قدم فيلماً لا تغيب عنه المتعة.