انقضى شهر من «النشوة السريعة» التي تملكت جمهور العراقيين، بعد تغيير شمل نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، حيث ساد التمني بأن يطوي البلد صفحة هي الأكثر صعوبة حصل خلالها كل ما كان يصعب تصديقه، سياسيا وعسكريا.
ورغم أن النخبة السياسية تعتقد أنها أمام «صفقة الحد الأدنى» من الاصلاحات، ويؤمنون بوجود فرصة معقولة لاستغلال الدعم الدولي في عبور مرحلة الانهيار، فإن مزاج الشارع سارع الى اعلان احساسه بالخيبة، بمجرد سماع المعلومات الاولية عن تشكيلة الحكومة الجديدة ونوع الشخصيات التي ستشغل حقائبها.فطوال أسابيع كان الجمهور يطالب الاحزاب بتقديم شخصيات من التكنوقراط المجربين، كوزراء، بأمل أن يبدأوا تعويض العراقيين عن 11 عاما من جمود التنمية، سبقها ربع قرن من الحروب العبثية والعقوبات الدولية والقمع الدموي في عهد صدام حسين، الا ان الحصيلة جاءت مخيبة كما يعتقد على نطاق واسع، اذ جرى تداول اسم ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء الذي سبق المالكي، وحسين الشهرستاني مسؤول الطاقة في حكومته، كوزيرين للخارجية والتعليم العالي، وهذا ما اعتبره الجمهور «صدمة كبيرة» فالشخصية الاولى ارتبطت في ذهن العراقيين بخطابات مطولة وغامضة تزخر بـ»الحذلقة اللغوية» وبدأ الجميع يتحدثون عن «محنة ترجمة» ستواجه الدبلوماسية العراقية لو أصبح الجعفري وزيرا للخارجية، يطلب منه التواصل مع حلف الناتو والبيت الابيض، عبر أسلوبه اللغوي المعقد والغريب، اما الشهرستاني فاشتهر لدى العراقيين بإنفاق 70 مليار دولار اميركي على قطاع الكهرباء دون ان ينجح في تحسينها، الى درجة ان المالكي نفسه وصف خططه بـ»الغبية».ورغم وجود أسماء بين المرشحين لوزارات مهمة تحظى ببعض التقدير، مثل احمد الجلبي وعادل عبدالمهدي، اللذين تلقيا تعليما جيدا بخبرة دولية معقولة، وبرزا بين الداعين الى تصحيح المسارات، فإن معظم اسماء التشكيلة الوزارية من كل الاطراف السياسية، كانت اما شخصيات مكررة لم تحقق نجاحا يذكر، او اسماء مغمورة تحيطها شائعات الفساد في كواليس غسل الاموال والعقود المشبوهة.وكما أن اعلان الحكومة سيدفع العراقيين لإدراك ان الاصلاح السياسي وبناء الدولة امر معقد يتطلب ربما 11 عاما اخرى، فان الوضع الميداني يقدم وحسب، كمية من «الفرح الزائل».ففي الأسبوع الماضي نجحت القوات العراقية مدعومة بالبيشمركة الكردية وآلاف المتطوعين، في فك حصار «داعش»، عن بلدة امرلي التركمانية الشيعية الواقعة على الطريق الرئيس بين كركوك وبغداد، وكان هذا اول تقدم واضح ورمزي يحققه العراقيون امام التنظيم المتشدد الذي اهان هيبة الجميع، لكن فرحة آمرلي لم تكشف إلا أن تحقيق الانتصار على «داعش» امر يستغرق شهورا طويلة وربما ثلاثة اعوام على حد تعبير تقرير اميركي، اذ مر اسبوع على تحقيق ذلك التقدم دون ان ينجح العراقيون في المضي الى الامام نحو تكريت المحاذية، وانتقل الاهتمام منذ الاحد الى غرب الانبار على الحدود السورية، حيث تحاول بلدة «حديثة» المهمة، الصمود امام هجمات «داعش» مستفيدة من التطور الاخير الذي جاء باعلان واشنطن رسميا، انها بدأت لأول مرة بشن طلعات جوية لمساندة عشائر السنة هناك في قتال «داعش»، وهو اول اعلان من نوعه بعد نحو شهر على تقديم الولايات المتحدة إسنادا جويا اقتصر على دعم البيشمركة الكردية.التطورات السياسية والعسكرية البطيئة تحبط العراقيين وتشجعهم على التكيف مع «تحسن طفيف ومتذبذب» في كل المسارات، وهو ما يفسر تزاحم المواطنين الذين لم ينقطع منذ ثلاث شهور، على صالات المغادرة في مطارات البلاد الاربعة، بحثا عن ملاذ آمن مؤقت، يترقبون فيه ما سيمكن للعبادي أو غيره، ان يفعله لوقف الكارثة.
دوليات
«أفراح» العراقيين بالتغيير تتبخر
09-09-2014