إلى أي مدى قد تكون سوق السندات مخيفة؟

نشر في 27-03-2015
آخر تحديث 27-03-2015 | 00:01
إن انهيارات أسواق السندات كانت نادرة ومعتدلة نسبيا، ففي الولايات المتحدة بلغ أكبر هبوط لعام واحد في مؤشر العائد الإجمالي الشهري وفقاً لملحق وكالة مودي للبيانات المالية العالمية لسندات الشركات لثلاثين عاما نحو 12.5% في الأشهر الاثني عشر التي انتهت في فبراير 1980.
 بروجيكت سنديكيت في السنوات الأخيرة كانت أسعار السندات الحكومية الطويلة الأجل مرتفعة للغاية (وهذا يعني أن عائداتها كانت منخفضة للغاية)، ففي الولايات المتحدة بلغ عائد سندات الخزانة لثلاثين سنة مستوى غير مسبوق من الانخفاض منذ بدأت سلسلة الاحتياطي الفدرالي في عام 1972 (2.25%) في الثلاثين من يناير، وهبط العائد على سندات حكومة المملكة المتحدة لثلاثين سنة إلى 2.04% في اليوم نفسه، وكان عائد سندات الحكومة اليابانية لعشرين سنة 0.87% فقط في العشرين من يناير.

ومنذ ذلك الحين تحركت كل هذه العائدات إلى الأعلى قليلا، ولكنها تظل منخفضة بشكل استثنائي، ويبدو الأمر محيرا- وغير مستدام- أن يربط الناس أموالهم لعشرين أو ثلاثين عاماً لكي يكسبوا القليل أو لا شيء فوق هدف الاثنين في المئة الذي حددته هذه البنوك المركزية للتضخم السنوي؛ لذا فبينما تبدو سوق السندات جاهزة لتصحيح درامي، فإن كثيرين يتساءلون ما إذا كان انهيارها قد يسحب الأسواق إلى أصول أخرى طويلة الأجل، مثل الإسكان والأسهم.

وهو سؤال كثيراً ما يُطرَح عليّ في الحلقات الدراسية والمؤتمرات، ذلك أن المشاركين في أسواق الإسكان والأسهم يحددون الأسعار ونظرهم على الأسعار في سوق السندات، ولهذا فإن انتقال العدوى من سوق طويلة الأجل إلى أخرى يبدو احتمالاً حقيقيا.

كنت أفكر في سوق السندات لفترة طويلة، والواقع أن سوق السندات الطويلة الأجل كان موضوع أطروحتي لرسالة الدكتوراه عام 1972 وأول مطبوعة أكاديمية تصدر لي على الإطلاق في العام التالي، والتي اشتركت في تأليفها مع مستشاري الأكاديمي فرانكو موديلياني. وقد أظهر عملنا مع البيانات عن السنوات من 1952 إلى 1971 أن سوق السندات الطويلة الأجل كان من السهل إلى حد كبير وصفها آنذاك، فكان من الممكن تفسير معدلات الفائدة الطويلة الأجل في أي تاريخ معين بشكل جيد كمتوسط لآخر ثمانية عشر ربعاً من التضخم وآخر ثمانية عشر ربعاً من أسعار الفائدة الحقيقية القصيرة الأجل، وعندما كانت معدلات التضخم أو أسعار الفائدة الحقيقية القصيرة الأجل ترتفع، كانت الأسعار الطويلة الأجل ترتفع، وعندما كان أي منهما ينخفض، كانت الأسعار الطويلة الأجل تنخفض أيضا.

والآن أصبح لدينا أكثر من أربعين عاماً من البيانات الإضافية؛ لذا فقد ألقيت نظرة لكي أرى ما إذا كانت نظريتنا لا تزال قادرة على التنبؤ بشكل جيد، وقد تبين أن تقديراتنا آنذاك، إذا طبقت على البيانات اللاحقة، تنبأت بالأسعار الطويلة الأجل بشكل جيد للغاية للسنوات العشرين التي تلت نشرنا لعملنا؛ ولكن بعد ذلك، في منتصف التسعينيات، بدأت تنبؤات نظريتنا تتجاوز الواقع. فوفقاً لنموذجنا، لابد أن تكون الأسعار الطويلة الأجل في الولايات المتحدة أقل حتى مما هي عليه الآن، لأن كلاً من معدلات التضخم وأسعار الفائدة الحقيقية القصيرة الأجل بلغت عملياً الصِفر أو تحولت إلى المنطقة السلبية. وحتى عندما نضع في الاعتبار تأثير التيسير الكمي منذ عام 2008، فإن الأسعار الطويلة الأجل تظل أعلى من المتوقع.

ولكن التفسير الذي وضعناه قبل فترة طويلة لا يزال مناسباً بالقدر الكافي لتشجيع اعتقاد مفاده أننا لن نشهد انهياراً لسوق السندات ما لم تقيد البنوك المركزية السياسة النقدية بشكل حاد (من خلال رفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل) أو يطرأ ارتفاع كبير على معدل التضخم.

الواقع أن انهيارات أسواق السندات كانت نادرة ومعتدلة نسبيا، في الولايات المتحدة، بلغ أكبر هبوط لعام واحد في مؤشر العائد الإجمالي الشهري وفقاً لملحق وكالة مودي للبيانات المالية العالمية لسندات الشركات لثلاثين عاما (والذي يرجع إلى عام 1857) نحو 12.5% في الأشهر الاثني عشر التي انتهت في فبراير 1980، ولنقارن هذا بسوق الأسهم: وفقاً لمؤشر العائد الإجمالي الشهري لستاندرد آند بورز للبيانات المالية العالمية، حدثت خسارة سنوية بلغت نحو 67.8% في العام الذي انتهى في مايو 1932، خلال أزمة الكساد الأعظم، وتجاوزت خسائر العام الواحد 12.5% في 23 حدثاً منفصلاً منذ عام 1900.

ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أي نوع من الأحداث كان مطلوباً لإنتاج انهيار بنسبة 12.5% في سوق السندات الطويلة الأجل، فقد جاء هبوط العام الواحد في فبراير 1980 بعد تولي بول فولكر رئاسة بنك الاحتياطي الفدرالي مباشرة في عام 1979، وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في عام 1979 أن 62% من الأميركيين كانوا يعتبرون التضخم "المشكلة الأكثر أهمية التي تواجه الأمة"، واتخذ فولكر خطوات جذرية للتعامل معه، فرفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل إلى مستويات عالية للغاية حتى إنه خلق ركوداً كبيرا، كما خلق أيضاً العديد من الأعداء (بل حتى واجه تهديدات بالقتل). وتساءل الناس ما إذا كان قد يفلت بفعلته سياسياً أم أنه قد يعزل من منصبه.

وفيما يتعلق بسوق الأسهم وسوق الإسكان، فقد يحدث تصحيح نزولي كبير يوماً ما، ولكن من المرجح ألا يكون هذا مرتبطاً بانهيار سوق السندات كثيرا، وكانت هذه هي الحال مع أكبر تصحيحات سوق الأسهم في الولايات المتحدة في القرن الماضي (بعد عام 1907، وعام 1929، وعام 1973، وعام 2000، وعام 2007) وأكبر تصحيحات سوق الإسكان في الولايات المتحدة على الإطلاق (بعد عام 1979، وعام 1989، وعام 2006).

صحيح أن عائدات السندات الطويلة الأجل المنخفضة إلى حد غير عادي تضعنا خارج نطاق التجربة التاريخية، ولكن هذا ما قد يحدثه السيناريو، حيث يتسبب انهيار مفاجئ لسوق السندات في دفع أسعار الأسهم والإسكان إلى الهبوط، وعندما يكون الحدث غير مسبوق من قبل قط، فإن التنبؤ به بأي قدر من الثقة يصبح في حكم المستحيل.

* روبرت جيه. شيلر | Robert J. Shiller

حائز جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، وأستاذ الاقتصاد في جامعة ييل، والمؤسس المشارك لمؤشر كيس-شيللر لأسعار المساكن في الولايات المتحدة. ومؤخرا، صدرت الطبعة الثالثة من كتابه "الوفرة الطائشة"، بفصل جديد عن سوق السندات.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top