ما قل ودل: مجلس الأمن العربي والقانون الدولي

نشر في 26-04-2015
آخر تحديث 26-04-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام تناولت في مقالي الأحد الماضي "قرار عاصفة الحزم شرعيته واستقلاله، وحاجتنا إلى مجلس أمن عربي"، وكانت الصحف الإقليمية بوجه عام والخليجية بوجه خاص في تعليقاتها على قرار مجلس الأمن الدولي، قد ذهبت إلى أنه قد أضفى الشرعية على قرار عاصفة الحزم، بما شكك في شرعية هذا القرار، قبل صدور قرار هذا المجلس، وهو ما اعترضت عليه، بعد أن وافقت القمة العربية على عاصفة الحزم بالإجماع، حتى لا تظل قراراتنا العربية في حاجة دائما إلى وصاية دولية، خصوصا مع ازدواج معايير المنظمة الدولية، وهو الازدواج الذي كان خلف قرار المملكة العربية السعودية قائدة التحالف العسكري العربي في هذه العاصفة.

الحلم العربي

وأعترف أيضا بأنني كنت أنظر إلى الأمر كله من منظور قانوني، ومن منظور الشاب العربي الذي عاش فترة الخمسينيات وبدايات الستينيات في الحلم العربي، الذي عشنا فيه جميعا مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وأن ما يقرب من نصف قرن مضى على نكسة 1967، لم تكن كافية لتوقظني من هذا الحلم، وقد قاد جمال حرب الاستنزاف بهمة عالية ومهارة كبيرة وقدرات خارقة لقواتنا المسلحة، كبدت العدو الإسرائيلي خسائر كبيرة في الأرواح لم يكن يتوقعها، وأن مبادرة روجرز التي دعت إلى وقف القتال والجلوس إلى مائدة المفاوضات، كانت طوق النجاة لإسرائيل التي سارعت إلى قبولها، كما قبلها الرئيس الراحل جمال، وأن حرب أكتوبر التي قادها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أبهرت العالم كله، وأفقدت العدو الإسرائيلي توازنه، وقد استطاعت قواتنا المسلحة في ست ساعات أن تعبر قناة السويس، بعد أن أغلقت ضفادعنا البشرية فوهات النابالم التي زرعتها إسرائيل على طول القناة، وكانت قناة السويس تعتبر أكبر مانع مائي عبره جيش من الجيوش، ثم حطمت هذه القوات خط بارليف المنيع، فمحونا عار الساعات الست التي حققت فيها إسرائيل انتصارها على الجيشين المصري والسوري في عام 1967، بعد أن حطمت إسرائيل كل طائراتنا الحربية وهي على الأرض، وكانت المنظمة الدولية ممثلة في أمينها العام يوثانت، والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية قد طالبت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بألا يبدأ الحرب، وخدعته بأن إسرائيل لن تبدأ.

وأستكمل في هذا المقال الفكرة التي طرحتها في مقال الأحد الماضي حول إنشاء مجلس أمن عربي، من منظور القانون الدولي، في ضوء كل من ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة فيما يلي:

ميثاق جامعة الدول العربية

من المعلوم أن هذا الميثاق الذي تم إقراره في 22 مارس سنة 1945 قد خلا من تنظيم للتدخل العسكري في أي نزاع مسلح بين الدول الأعضاء، إلا أن هذا الأمر لم يفت واضعي الميثاق، فقد كان مطروحا في الاقتراح الذي قدمته المملكة العربية السعودية، إلا أنه تم إرجاء هذا الموضوع إلى مرحلة أخرى، حيث أصر كل من العراق والأردن ولبنان على أن تكون قرارات مجلس الجامعة ملزمة لمن يقبلها فقط واللجوء إلى محكمة العدل الدولية.

وكانت المملكة العربية السعودية قد اقترحت بأن ينص الميثاق على تنظيم يسمح للدول الأعضاء بالتشاور لتقرير ما تراه لإيقاف الاعتداء المسلح من دولة على أخرى من الدول الأعضاء، وإقامة العدل والقسط في ساحة الأمة العربية، حسبما جاء في كتاب الشيخ يوسف ياسين، المؤرخ 3 يناير سنة 1945، وأن تكون هناك آلية قوية لتسوية المنازعات تتضمن اللجوء للإصلاح والتوسط أو التحكيم على أصول العدل والقسط، فإذا امتنع أحد الطرفين عن قبول التحكيم أو عن الإذغان لقرار التحكيم، فللدول الأعضاء أن تنصحه وتدعوه للحق، فإن بغى واعتدى، فلها بعد التشاور أن تقرر ما تراه لإيقاف هذا الاعتداء.

القرارات ملزمة لمن يقبلها

إلا أن العراق رفض المقترح السعودي، وطالب بأن ينص المشروع على تسوية المنازعات بين الدول العربية بالطرق الدبلوماسية، فإذا فشلت يتم اللجوء إلى التحكيم باتفاق الطرفين المتنازعين على توسيط مجلس الجامعة أو أي طرف، فإذا لم يتم الاتفاق يرفع الأمر المتنازع عليه إلى محكمة العدل الدولية أو إلى أي هيئة ذات اختصاص في حل النزاع الدولي.

وقدم لبنان مشروعا يقترح ملحقا للميثاق يتضمن الأصول الخاصة بالتحكيم لدى مجلس الجامعة لا يخرج عن المتعارف عليه في قواعد القانون الدولي (الرضا من الطرفين... الاتفاق على صك الحكم... الإجراءات) وأنه ليس لمجلس الجامعة الحق في التدخل لتنفيذ قرار التحكيم، وإنما يقتصر اختصاص المجلس على اعتبار الدولة التي تمتنع عن تنفيذ القرار قد أخلت بالموجبات المفروضة في ميثاق الجامعة.

كما رفض العراق الصيغة المقترحة من رئيس اللجنة الفرعية (النقراشي باشا) كحل وسط في الخلاف السابق، لأنه يوجب عرض الأمر على مجلس الجامعة، وهو ما يعنى التزام الدول بقرارات المجلس، وهو ما تخوف منه المندوب العراقي. والبادئ أن تنسيقا عراقيا أردنيا سانده لبنان لظروفه الخاصة بعدم الاعتراف لمجلس الجامعة بأي اختصاص بالنظر والتحكيم في أي خلاف ينشب بين الدول الأعضاء، حيث تمسك سمير الرفاعي رئيس وفد الأردن بعدم الخروج على بروتوكول الإسكندرية وروحه، الذي كان قد تم توقيعه في 7 أكتوبر 1944، والذي نص على أن قرارات مجلس الجامعة ملزمة لمن يقبلها.

ميثاق الأمم المتحدة

وليس في ميثاق الأمم المتحدة ما يمنع من إنشاء مجلس أمن عربي في نطاق جامعة الدولة العربية، فقد أفرد هذا الميثاق الفصل الثامن من التنظيمات الإقليمية، مستهلا أحكامه بما ينص عليه البند (1) من المادة (52) من أنه:

"1- ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي متى كان العمل الإقليمي صالحا فيه ومناسبا، وكانت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائما مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها".

back to top