وقاية الشباب من أمراض التطرّف
الشباب أعظم ثروتنا غير الناضبة، وما يستثمر في حمايتهم من أمراض التطرّف يعود بالنفع على مجتمعاتهم وأوطانهم، الشباب طاقة خلاقة، والأمم المزدهرة تلك التي تنجح في كسب شبابها وتوظيف طاقاتهم في مشاريع التنمية، ونحن لن ننجح في كسبهم إلا إذا كسبنا ثقتهم، ولن نكسب ثقتهم إلا بإتاحة المجال لهم، للتعبير عن آرائهم وتطلعاتهم وهمومهم، الشباب هم القطاع الأكبر في التركيبة السكانية، وهم المستقبل، ووقايتهم من التطرّف، مسؤوليتنا جميعاً.مجتمعاتنا وأوطاننا تعاني اليوم معاناة عظيمة من انتشار المد المتطرف المتدثر بالدِّين، يخطف شبابنا ويوظفهم لمشاريعه العدمية، آلاف الشباب المسلم سقطوا على امتداد العقدين الأخيرين وما زالوا يتساقطون، يفجرون أنفسهم كما يفجرون الآلاف من المدنيين الذين سقطوا ضحايا هذا المد المتطرف، يشهرون السلاح في وجه الدولة ويدمرون المرافق والخدمات الحيوية.
أصبح المد المتطرف يكلف دولنا تكاليف هائلة: خسائر بشرية لا تقدر بثمن، وخسائر مادية تقدر بآلاف المليارات: منها ما يصرف على المواجهة الأمنية والعسكرية لميليشيات التطرّف، ومنها ما يصرف على إصلاح ما هدموه ودمروه، ومنها ما يصرف على من قبض عليهم سواء في السجون أو عبر البرامج العلاجية المناصحة، هذه المليارات تستنزف موارد الدولة باستمرار وتعوق التنمية والبناء. ما الذي دفع بهؤلاء الشباب إلى حضن الإرهاب؟ (ضعف المناعة ونقص التحصين)، وأتساءل: ألم يكن الأجدى والأوفر- مادياً وبشرياً- لو اهتمت دولنا بإعداد خطط وبرامج وقاية الشباب من التطرّف؟! إننا نهتم ونصرف على العلاج، ولا نهتم ولا نصرف على الوقاية، خلافاً للمجتمعات المزدهرة، وهذه آفة ثقافية مجتمعية مزمنة سواء على مستوى الجماعات أو الأفراد، أتصور أنه لو تم توظيف 1% من هذه المليارات المستنزفة، في برامج تحصين الشباب من آفات التطرّف، لكنا في وضع أفضل اليوم.ما التطرّف؟هو الغلو في الكراهية المولد للعنف، يقوم على أضلاع ثلاثة: فكر عدواني، نفسية قلقة، بيئة حاضنة.ما أسبابه؟ ظاهرة التطرّف، كظاهرة التعصب، وليدة أسباب وعوامل داخلية، ترجع إلى ضعف التحصين وقلة المناعة، نتيجة: تربية غير سوية، وتعليم تلقيني أحادي لا ينمي عقلاً نقدياً، وخطاب ديني منغلق، يتصور العالم تآمراً على المسلمين، وإعلام تحريضي (قنوات ومواقع تواصل اجتماعي)، وسياسات تمييزية تضعف مفهوم المواطنة، كجامع مشترك للمواطنين.كيف نحصن الشباب؟بوضع خطة أو استراتيجية وطنية وقائية، تشارك فيها كل مؤسسات المجتمع والدولة ومنظمات المجتمع المدني، وتقوم على:١- تغيير نمط التنشئة المبكرة ومراجعة قوانين الأحوال الشخصية.٢- تطوير التعليم بما يخلصه من أوهام الماضي، وينمي الروح النقدية في الطالب. ٣- تجريم توظيف المساجد في سوق السياسة. ٤- إصلاح الخطاب الديني وتطويره بما يضمن انفتاحه على الثقافات الإنسانية، مصداقاً لقوله تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" نريده خطاباً دينياً إنسانياً، يحتضن الإنسان بغض النظر عن جنسه أو معتقده أو قوميته.٥- حياد الدولة الديني والمذهبي أمام مكونات المجتمع الواحد، فلا يجوز للدولة أن تنحاز إلى طائفة أو مذهب على حساب الطوائف والمذاهب الأخرى.٦- تبني المنهج النقدي في تدريس التاريخ الإسلامي، فلا ينبغي حشو ذهن الطفل بأمجاد أمته دون بيان أن تاريخ المسلمين كبشر لهم وعليهم، فيه ما يمجد، وفيه ما يستوجب النقد والرفض.٧- تدريس تاريخ الأديان المقارن، وفق المنهجية الحديثة لا كما يدرس اليوم في جامعاتنا، للانتصار لمذهب ضد آخر، أو لإفحام الخصم والانتصار عليه.٨- تكريس مفهوم المواطنة في مواجهة الطائفية والتطرف.٩- إبعاد الدين وإخراجه من سياق الصراعات السياسية، فلا يحق لأي فصيل سياسي، ادعاء أن فهمه الديني، هو الصحيح الذي يجب فرضه، فلا "بابا" ولا كهنوت ولا وكالة أو وصاية دينية في الإسلام "وما جعلناك عليهم حفيظاً، وما أنت عليهم بوكيل".١٠- تفكيك هيمنة الدينيين على الشأن المدني، فالشعب أعلم بأمور دنياه "أنتم أعلم بأمور دنياكم".١١- تصحيح النظرة المجتمعية لوضعية المرأة ودورها في المجتمع وفي الشأن العام.ختاماً: هذه خلاصة موجزة لورقة، ألقيتها في "جمعية المنتدى" بمملكة البحرين. *كاتب قطري