الأنبار تحذِّر: سقوطنا سيشعل معركة بغداد
«داعش» يعوض خسارته بهجوم الرمادي
ليس مهماً ورود خبر سعيد من الأنبار حول صمود أبناء العشائر، رغم الهجمات القوية التي يشنها تنظيم «داعش» في مركز المحافظة، لأن المراقبين لا يرون ما يجري في المنطقة الغربية مجرد اشتباك عابر ينتهي بهزيمة أو نصر، بل يعتقدون أن التنظيم المتطرف يستخدم الأنبار اليوم للتمرين على خوض معركة في بغداد نفسها.الأسابيع الماضية كانت انتكاسة كبيرة لـ»داعش»، فالجيش ومساندوه، حققوا تقدماً مهماً لتأمين جنوب بغداد، في جرف الصخر، وطوقوا تكريت في بيجي، فقاموا بتأمين شمال العاصمة وشرقها على حدود إيران، كما ساعدوا البيشمركة في تأمين فنائهم الجنوبي. ونجحت الغارات الجوية للتحالف الدولي في قطع طرق الإمداد عن «داعش»، وأضعفت حركته، إلا أن التنظيم الخبير بنقاط ضعف العراقيين وانقسامهم المروع سياسياً وإدارياً، قرر أن يعوض في الرمادي جزءاً من خساراته، فشنّ هجوماً من أربعة محاور، ثلاثة للمشاغلة، وواحد اتجه إلى مركز المدينة قادماً من ضفة الفرات الشرقية، ليعبرها مستخدماً للمرة الأولى مناورة نهرية عبر زوارق سريعة أربكت خط الدفاع المتكون من مسلحي القبائل. العشائر والجيش المساند لها نجحا في امتصاص الصدمة، إلا أن ذوي الشأن يتساءلون: كل ما حصل هو عملية نفّذها 200 عنصر من «داعش» وأربكتنا ولم تنته بعد، فماذا لو قرر التنظيم احتلال مركز الأنبار بألفي جندي انتحاري؟
يطرح أهل الأنبار العارفون هذا التساؤل، وهم ينظرون بأسى نحو غرفة عمليات مشتركة في محافظتهم، تمتلئ بصياح شيوخ العشائر والجنرالات العراقيين والضباط الأميركيين، وهم يحاولون تنظيم صفوف مقاتلين من كل حدب وصوب، لوقف اندفاع جنود «الخليفة» الذي يحلم باحتلال كل الأنبار، كي يبدأ معركة بغداد!يكتب صحافي شاب من الأنبار، وهو يتحدث بأسف عن انقسام أهل مدينته، الذي جعلهم ضعفاء سواء أمام «داعش» في الحرب، أو أمام بغداد وواشنطن في المفاوضات: الأنبار تقاتل الآن كي لا تتعرض بغداد للغزو! الجهة الغربية من العاصمة مهددة بقوة، والتحذير لا يتعلق بجيش «داعشي» قد يزحف نحوها، بل بمعارك تشتعل بقوة في الأنبار، لتتحرك خلايا نائمة داخل بغداد فتشعل الفوضى، ما قد يستدرج الميليشيات الشيعية إلى ارتكاب جرائم بحق الأحياء السنية في العاصمة، ويخرب كل الجهود السياسية لبناء تحالف متماسك ضد «داعش»، يجمع الشيعة والسنة في خندق واحد. والأمر الأكثر إثارة للقلق أن الأميركان يتحركون ببطء، كما أن السنة محبطون من المساعدات العسكرية التي أعلنتها واشنطن نهاية الأسبوع، حيث خصصت مليار دولار للجيش الذي يقوده رئيس الوزراء الشيعي، و350 مليون دولار للبيشمركة الكردية، ولم تخصص لدعم العشائر السنية المقاتلة سوى 25 مليون دولار، لشراء خمسة آلاف بندقية، وعشرة آلاف قنبلة يدوية، ودورات تدريب سريعة لبضعة أفواج متطوعين، على حرب الشوارع.ويراهن السُّنة على ضغط تمارسه واشنطن على حكومة حيدر العبادي، لتخطي تردد الشيعة في دعم العشائر بالمال والسلاح، وتكوين جيش سني محلي قادر على مواجهة الأخطار، لكن نوع المساعدات الأميركية للعشائر يوحي أن مفاوضات واشنطن مع السنة العراقيين والمستمرة في إسطنبول وعمّان وأربيل منذ أسابيع، لم تحقق تقدماً، وأن الطرفين لم يؤسسا ثقة بالنحو المطلوب، ويأمل كثيرون أن تؤدي حركة «داعش» الأخيرة في قلب الأنبار إلى تحريك الجمود ودفع واشنطن وبغداد إلى أخذ طلبات السُّنة على محمل الجد قبل فوات الأوان.