الصين وعداواتها الحدودية
تحت الضغوط المتعنتة من الصين الرجعية، تحتاج الهند إلى صياغة استراتيجية مضادة حكيمة ودقيقة، فبادئ ذي بدء، تستطيع الهند أن تلغي اعترافها بسيادة الصين على التبت، في حين تفرض ضغوطاً اقتصادية من خلال التجارة، كما فعلت الصين مع اليابان والفلبين عندما تحدتا مطالباتها الإقليمية.
في السنوات الأخيرة، كان جيش التحرير الشعبي الصيني يستغل نفوذه السياسي المتزايد لاستفزاز مناوشات ومواجهات موضعية مع الهند باختراق منطقة الهيمالايا الحدودية الطويلة المتنازع عليها، ويحمل تكثيف جيش التحرير الشعبي مؤخراً لمثل هذه الانتهاكات الحدودية دلالات مهمة تتصل بزيارة الرئيس شي جين بينغ المرتقبة إلى الهند، وبالنسبة إلى مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين.الواقع أن مثل هذه الاستفزازات كانت تسبق غالباً الزيارات التي يقوم بها قادة صينيون إلى الهند، فقبل زيارة الرئيس هو جين تاو في عام 2006 مباشرة أحيت الصين مطالبتها بولاية أروناشال براديش الكبيرة في شمال الهند. وعلى نحو مماثل، قبيل الرحلة التي قام بها رئيس مجلس الدولة ون جيا باو إلى الهند في عام 2010 بدأت الصين بإصدار تأشيرات على أوراق منفصلة يتم تدبيسها بجوازات سفر سكان كشمير المتقدمين بطلبات لدخول الصين، وهذا يشكل تحدياً غير مباشر لسيادة الهند، وعلاوة على ذلك، قررت الصين بشكل مفاجئ تقصير طول حدودها مع الهند بإلغاء اعترافها بالخط الفاصل بين كشمير الهندية وكشمير التي تسيطر عليها الصين والتي يبلغ طورها 1579 كيلومترا، وكانت زيارة رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ في شهر مايو الماضي تالية لتوغل عميق لقوات جيش التحرير الشعبي في منطقة لاداخ الهندية، والتي كان المقصود منها على ما يبدو نقل غضب الصين إزاء جهود الهند المتأخرة لتحصين دفاعاتها الحدودية.
والآن عادت الصين إلى نفس الممارسات، بما في ذلك القرب من نقطة التلاقي بين الصين والهند وباكستان، نفس المكان الذي أسفر توغل جيش التحرير الشعبي فيه العام الماضي عن مواجهة عسكرية دامت ثلاثة أسابيع، ويشير هذا النمط إلى أن الهدف الرئيسي من الزيارات التي يقوم بها قادة الصين إلى الهند ليس تعزيز أواصر التعاون حول أجندة مشتركة، بل تعزيز مصالح الصين الخاصة، بدءاً بمطالباتها الإقليمية، حتى التجارة مع الهند، التي تتسم بالربحية العالية والنمو السريع، لم تكن كافية لكبح عدوانيتها الإقليمية المتصاعدة.وعلى النقيض من ذلك، كان رؤساء وزراء الهند منذ جواهر لال نهرو يسافرون إلى الصين للتعبير عن حسن النوايا وتقديم الهدايا الاستراتيجية، ومن غير المستغرب أن الحال كانت تنتهي بالهند دوماً إلى الخسارة في الاتفاقات الثنائية.وكان الحدث الفظيع بشكل خاص تسليم رئيس الوزراء أتال بيهاري فاجبايي في عام 2003 بطاقة التبت الهندية. لقد ذهب فاجبايي إلى حد استخدام المصطلح القانوني "الاعتراف" لأول مرة لقبول ما تسميه الصين منطقة الحكم الذاتي في التبت "كجزء من أراضي جمهورية الصين الشعبية"، وهو ما فتح الطريق أمام الصين للمطالبة بأروناشال براديش (ثلاثة أضعاف مساحة تايوان) باعتبارها "جنوب التبت" وعزز نظرة الصين المعهودة للقضايا الإقليمية: فكل المناطق التي تحتلها هي أرض صينية، وأي مطالبات إقليمية لها لا بد أن تكون تسويتها على أساس "التسويات المتبادلة والتفاهم".وتسبب خطأ فاجبايي في تفاقم الخطأ الذي ارتكبه نهرو عام 1954 عندما قَبِل ضمناً في معاهدة بانتشيل ضم الصين للتبت، من دون تأمين (أو حتى السعي إلى تأمين) الاعتراف بالحدود القائمة بين الهند والتبت آنذاك. والواقع أن الهند خسرت بموجب المعاهدة كل الحقوق والامتيازات خارج الحدود في التبت التي ورثتها من بريطانيا الإمبراطورية.وبموجب ما تم الاتفاق عليه في المعاهدة، سحبت الهند "حراساتها العسكرية" من التبت، وتنازلت للحكومة الصينية، بسعر "معقول" عن خدمات البريد والتلغراف والهاتف والتي كانت تديرها الحكومة الهندية في "منطقة التبت الصينية"، ومن جانبها، انتهكت الصين مراراً وتكراراً المعاهدة التي استمرت ثماني سنوات، وفي نهاية المطاف شنت غزوها العابر للهيمالايا في عام 1962.باختصار، استخدمت الصين معاهدة بانتشيل لخداع الهند وإذلالها، ورغم هذا، أرسلت حكومة رئيس الوزراء نارندرا مودي الجديدة هذا الصيف نائب الرئيس حميد أنصاري إلى بكين للمشاركة في الاحتفال بالذكرى الستين لإبرام المعاهدة. ورافق الأنصاري وزيرة التجارة نيرمالا سيثارامان، التي وقعت أثناء إقامتها هناك اتفاقاً يسمح للصين- من دون أي تعويض أو بدل- بإنشاء مجمعات صناعية في الهند، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم اختلالات التوازن القائمة في العلاقة التجارية الثنائية- تصدر الصين حالياً إلى الهند ثلاثة أمثال ما تستورده منها، وأغلب هذه الواردات مواد خام- وهو ما يعرض الهند بالتالي لضغوط استراتيجية متزايدة ويخدم مصلحة الصين في منع صعود الهند كمنافس ند لها.وتؤكد حقيقة تسليط الأضواء الآن على مطالبة الصين المرتبطة بالتبت بالسيادة على أرونشال براديش، بدلاً من التركيز على وضع التبت، على هيمنة الصين في تحديد الأجندة الثنائية، ونظراً لاعتماد الهند على تدفقات المياه عبر الحدود من التبت، فقد تنتهي بها الحال إلى تكبد ثمن باهظ.انطلاقاً من شعورها بالحرج إزاء انتهاكات الصين الحدودية التي لا تنتهي- وفقاً لوزير الدولة الهندي للشؤون الداخلية كايرين ريجيجو، كان عدد هذه الانتهاكات 334 انتهاكاً في أول 216 يوماً من هذا العام- رسمت الهند مؤخراً تمييزاً خادعاً بين "الانتهاكات" و"التعديات" والذي يمكنها من إدراج كل الخروقات ببساطة باعتبارها انتهاكات، ولكن التلاعب بالألفاظ لن يقود الهند إلى أي مكان.وجاء التذكير بهذا في قمة مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) في يوليو، عندما برزت الصين مرة أخرى قبل الهند، وقد أعلِن أن مقر بنك التنمية الجديد الذي أسسته مجموعة البريكس سوف يكون شنغهاي وليس نيودلهي؛ وكانت جائزة ترضية الهند هي أن يشغل هندي منصب أول رئيس للبنك.تحت الضغوط المتعنتة من الصين الرجعية، تحتاج الهند إلى صياغة استراتيجية مضادة حكيمة ودقيقة، فبادئ ذي بدء، تستطيع الهند أن تلغي اعترافها بسيادة الصين على التبت، في حين تفرض ضغوطاً اقتصادية من خلال التجارة، كما فعلت الصين مع اليابان والفلبين عندما تحديا مطالباتها الإقليمية، ومن خلال تعليق وصول الصين إلى الأسواق على شرط التقدم في حل النزاعات السياسية والإقليمية والمتعلقة بالماء، تستطيع الهند أن تمنع الصين من تحصين نفوذها. وعلاوة على ذلك، ينبغي للهند أن تكون على استعداد للرد على توغلات الصين بإرسال قواتها إلى مناطق استراتيجية تسيطر عليها الصين، وهذا من شأنه أن يزيد من المخاطر المترتبة على توغلاتها الحدودية، وبالتالي تعزيز الردع.وأخيرا، يتعين على الهند أن تنظر بروية في ذريعة الشراكة مع الصين التي تشكلها من خلال التجارة واتفاقيات مجموعة البريكس، على الأقل إلى أن تنشأ علاقات ثنائية أكثر توازنا، وعلى أي حال، لن تكون التجارة المزدهرة ولا الشراكة في نادي البريكس كافية لحماية الهند من استئساد الصين.* براهما تشيلاني | Brahma Chellaney ، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف تسعة كتب، منها "الطاغوت الآسيوي"، و"المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا"، و"المياه، والسلام، والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية".«بروجيكت سنديكيت، 2016»»بالاتفاق مع «الجريدة»