«الأندلسي»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
رغم أن أحداث فيلم «الأندلسي» تدور في العام 1492، فإن كل مشهد أو جملة حوار، فضلاً عن القراءة الواعية للوقائع، تكاد تحيلنا إلى الزمن الحاضر، وكأن «التاريخ يُعيد نفسه»؛ حيث الصراع الدموي على السلطة، واضطرار المسلمين واليهود إلى الاستنجاد بالمسيحيين الأسبان للخلاص من وحشية الأتراك المسلمين. كذلك يُعلي الفيلم من القيم الإنسانية النبيلة، وعلى رأسها التسامح بين الأديان؛ حيث يرفض «سليم» بن أبي حمزة قاضي غرناطة الفرار مع أمه الكاثوليكية، إلا في وجود صديقه «إسحاق» اليهودي. ومن مشهد إلى آخر، يؤكد الفيلم، الذي كتبه محمد شويخ، أهمية قيم الإخاء والمساواة والتعايش مع الآخر، ويناهض أشمال التعصب والعنصرية كلها. تبدأ أحداث الفيلم بسقوط «غرناطة»، وتسليم ملكها أبو عبد الله الصغير مفاتيح الأثر الأخير للعرب في الأندلس للملك الإسباني «فرناندو»، بحجة أن الله لم يأمره بسفك الدماء. ورغم أن أمه تطالبه بألا يفعل قائلة: «سقوط الأندلس يعني اختفاء الآذان» إلا أنه يرد عليها باستكانة وخنوع قائلاً: «الحضارة قلادة من الوهم»، ويأمر جنوده بتسليم أسلحتهم مكتفياً بمطالبة المحتل بالرحمة والعدل، وضمان الهوية والخصوصية، وعدم الذوبان في هوية الآخر. لكن المنفى يُصبح مصير المسلمين، وعلى رأسهم «سليم» الذي يتعاطف أمير مملكة مستغانم معه في أزمته، ويقرر تعيينه كأمين سر للأميرات، ومحرر للعقود، ثم أمين للخزانة ويوافق على زواجه من ابنته الأميرة «منصورة»، في أضعف مشاهد الفيلم، بينما اختار أن يكون شقيقه طبيب العائلة، واليهودي خياطاً للقصر. ويأمر الحاخام اليهودي «داود» وأسرته باستضافته؛ فالديانات في الفيلم {وسيلة للتقرب إلى الإله الواحد} و}الطمع يفرق بين أصحاب الأديان}.{نعيش زمناً يتمزق فيه العالم العربي} يقولها البطل، في حين ينعي أحدهم {الشعب الذي يتحمل عبء القتال من أجل مصالح الأمراء}. ويعري الفيلم، بجرأة، شذوذ الأمراء، ومجونهم، وصفقاتهم التآمرية الموزعة بين الأسبان والأتراك لتملقهم طمعاً في الاحتفاظ بالجاه والسلطان، وتصبح الفرصة مواتية لرصد الموشحات الأندلسية، والبكاء على آلة العود وهو يفقد عرشه، وتتحقق الكوابيس التي تحترق فيها المساجد، ويُعتقل المصلون، وتقترب المجازر، ويستعر الجحيم؛ إذ يبلغ عدد قتلى تلمسان أربعة آلاف قتيل، ويتم الزج بثمانية آلاف في السجن. لكن مشاهد كهذه، وأخرى كالمعارك، تعكس فقر الإنتاج، وضعف الموازنة، بما لا يتناسب، مُطلقاً، مع طبيعة المرحلة الزمنية التي تجري فيها الأحداث، وتحتاج إلى كثير من التطابق، سواء من حيث الملابس أو الديكور، وهو ما سعى إليه المخرج محمد شويخ بكل ما أوتي من جهد ولكن خانه التوفيق في بعض المشاهد، كما بدا وكأنه يقدم وصفاً تفصيلياً بالصورة لتلك الحقبة التاريخية؛ خصوصاً علاقة الجزائر بالأندلس.يُحسب لفيلم {الأندلسي} طلاوة أداء الممثلين، وقدرتهم على الإقناع، مثل: محمد بن بريكي في شخصية {سليم بن أبي حمزة}، نبيل عسلي في دور الشاعر {لخضر بن خلوف}، حسان كشاش في دور ملك المدينة {عبدلي}، والفنانة بهية راشدي التي أدت باقتدار دور الملكة {عائشة} والدة الملك أبو عبد الله ومعها مليكة بلباي، التي أدت دور الأميرة {منصورة}. والفضل في هذا التألق يعود، بكل تأكيد، إلى إدارة المخرج {شويخ}، وتوظيفه عناصره الفنية، بالإضافة إلى إلمامه بالشخصيات التاريخية، نظراً إلى كونه كاتب السيناريو، وبرغم الفقر الإنتاجي، وهزال الإمكانات، فإن المخرج تحايل على هذا باستثمار ذكي للبحر، والبواخر العتيقة، والمغارات التاريخية، بالإضافة إلى المناطق التي احتفظت ببكارتها، ولم تفقد طبيعتها الخلابة.في الأحوال كافة يمكن النظر إلى فيلم {الأندلسي} بوصفه حصة مرئية في التاريخ، أو خطوة أخرى في مشروع جديد يمكن الاتفاق على تسميته {سينما المناهج} على غرار مشروع {مسرحة المناهج}، الذي يقضي، حسب البروتوكول الموقع بين وزارتي التربية والتعليم والثقافة، بتحويل المناهج الدراسية إلى تجارب مسرحية!