الرضا بالكثير
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
ولكن هناك رغم ذلك القليل من الدلائل التي قد تشير إلى أن معيشة الأميركيين من العمال وأبناء الطبقة المتوسطة تحسنت عما كانت عليه قبل خمسة وثلاثين عاما، والأمر الأكثر غرابة أن نمو الإنتاجية لا يسجل أي ارتفاع كبير، كما كان المرء يتوقع؛ بل يبدو أنه في انحدار، وفقاً لبحث قام به جون فيرنالد وبين وانغ وهما خبيران اقتصادياً في قسم البحوث الاقتصادية في بنك الاحتياطي الفدرالي في سان فرانسيسكو، وتوقعات النمو أشد سوءا، حيث يواجه الإبداع رياحاً معاكسة عاتية. ومن بين الطرق للتوفيق بين التغيرات في سوق العمل وبين خبرتنا العملية وإحصاءات كهذه هي أن ننتبه إلى حقيقة مفادها أن الكثير مما ننتجه يختلف تمام الاختلاف عما كنا نصنعه في الماضي، فعلى مدى القسم الأعظم من التجربة البشرية، لم يكن أغلب ما أنتجناه يصلح تقاسمه بيننا بسهولة أو استخدامه دون إذن، وكانت السلع التي نصنعها أقرب إلى ما يصفه الخبراء بالسلع "المتنافسة" و"الاستبعادية".فكونها متنافسة يعني أن أي شخصين لا يمكنهما استخدام نفس المنتج في نفس الوقت، وكونها "استبعادية" يعني أن مالِك المنتج قادر بسهولة على منع الآخرين من استخدامها، وهاتان السِمتان تضعان قدراً كبيراً من القدرة على المساومة بين أيدي أولئك الذين يسيطرون على الإنتاج والتوزيع، الأمر الذي يجعلهما مثاليتين بالنسبة إلى اقتصاد السوق الذي يقوم على الملكية الخاصة، ويتدفق المال بطبيعته إلى حيث تقدم المنفعة والقيمة، ومن الممكن تتبع هذه التدفقات بسهولة في الحسابات الوطنية. ولكن الكثير مما ننتجه في عصر المعلومات ليس متنافساً وليس استبعاديا، وهذا من شأنه أن يغير الصورة بالكامل، وتحفيز خلق السلع في عصر المعلومات أمر صعب؛ ويتعذر تحويل توزيعها إلى نقد؛ ونحن نفتقر إلى الأدوات اللازمة لتتبعها بسهولة في الحسابات الوطنية، والنتيجة هي التعارض المتزايد بين ما قد يكون الناس على استعداد لدفع ثمنه في مقابل خدمة معينة وبين النمو عندما يُقاس في الإحصاءات الوطنية. بعبارة أخرى، نحن ننتج ونستهلك أكثر كثيراً مما توحي به مؤشراتنا الاقتصادية، ولا يحصل منتجو العديد من هذه المنتجات على التعويض الكافي.وهذا من شأنه أن يفضي إلى مجموعة من المشاكل الفريدة، فضمان قدرة عمال اليوم والغد على تحصيل الفوائد التي يقدمها عصر المعلومات سوف يتطلب إعادة تصميم نظامنا الاقتصادي على النحو الذي يجعله قادراً على تحفيز خلق هذه الأنماط الجديدة من السلع، وبالإضافة إلى تطوير طرق جديدة لاحتساب هذا النمط الجديد من الثروة، فسوف يكون لزاماً علينا أن نعمل على تطوير قنوات يساهم من خلالها الطلب على منتَج ما في ضمان الدخل لمنتِجه.ولن يتسنى لنا الحفاظ على مجتمع الطبقة المتوسطة، بدلاً من مجتمع حُكم الأثرياء التقنيين وأقنانهم في قطاع الخدمات، إلا من خلال إيجاد الطرق اللازمة لإضافة قيمة حقيقية إلى السلع التي ننتجها.* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»