اخرجوا إلى الهواء
في حالات كثيرة أقف أمام المشهد النقدي في الكويت وأنا في حالة يأس شديد، ولا أرى أملا في دعوته الى القيام بمهمته التى عليه أن يحمل مسؤوليتها ويتصدى لها. في وقت ما كنا شبابا نزور رابطة الأدباء للالتقاء بسادة المشهد الثقافي أدباء ونقادا، ولأن النتاج الأدبي في تلك الفترة يعاني نضوبا ابداعيا فكنت شخصيا ألتمس بعض العذر لهؤلاء النقاد ولا ألوم انزواءهم في ديوانية الرابطة يتحدثون عن يومياتهم المعيشية. ولكن الحال فجأة تغيرت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي تحديداً حيث نشطت حركة التأليف وخرجت مجموعة من الأسماء المبشرة للساحة الثقافية، وتوقعت أن ذلك سيكون حافزا للأخوة النقاد ليخرجوا من ديوانيتهم في الرابطة أو يغادروا فصولهم الدراسية في الجامعة.ولكن ذلك لم يحدث، وربما أشهر قراءة نقدية لتجربة تلك الفترة، أعني فترة التسعينيات من القرن الماضي، كانت لأديب وروائي هو الأستاذ اسماعيل فهد اسماعيل في رابطة الأدباء وكانت الأكثر حضورا لفاعلية قامت بها الرابطة، ولم تكن لأحد نقادنا الذين كانوا حضورا ومستمعين حينها. وربما يرى البعض أن لا ضير في أن يقرأ الأديب أعمالا نقدية، وذلك بالتأكيد لا بأس به ونمارسه جميعا، ولكن حين تكون القراءة عن تجارب مرحلية يسقط الأديب اسمه وأعماله من القراءة ولا يذكر الدور الذي ساهم فيه خلال تلك المرحلة. وما يترتب عليه هو أن نفقد قراءة مهمة يضع الأديب نفسه خارجها رغما عنه. وتلك حالة لا يعانيها الناقد المتخصص أو الأكاديمي.
جاءت السنوات العشر الماضية بمجموعة كبيرة من الشعراء والروائيين والكتاب وتوقعنا أن يخرج الى الهواء هؤلاء الذين يبدو أنهم كرسوا حياتهم لتكرار مناهج تعليمية يرددونها كل سنة لطلبة مختلفين ويمكن اضافة عمل هنا وعمل هناك كل عام.أما مهمة النقد وقراءة الأعمال الأدبية الجديدة فهي ليست من مهامهم النقدية وليست واجبا وطنيا تجاه أبناء جيلهم الذين يحتاجونهم في بداياتهم. وحتى لا يغضب مني أحد ويدعى أنني أكتب دون أن أذكر أسماء بعينها سأذكر أولا سبب هذا المقال وهو د.سليمان الشطي؛ أحد أهم الأسماء النقدية في الكويت سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، فالرجل منذ دراساته الأولى عن رمزية نجيب محفوظ يحظى بثراء نقدي مهم وفاعل في الحركة الأدبية في الكويت. وأسعدني أننى رأيته في المهرجان النقدي الأخير في الكويت، وأملنا دائما أن يقدم قراءاته مواكبا هذا الجيل الجميل الذي أتمنى أن يطلع على ما يكتب.الاسمان الآخران هما د.علي عاشور وزميله د.عباس الحداد وهما زميلا دراسة كان الأول يدرسنا العروض وهو طالب في الآداب والثاني كنا نرى فيه وعيا جميلا في الدراسات النقدية. وأعرف أنهما يمتلكان طاقة نقدية جميلة ولكنني لا اعرف سبب انزوائهما بعيدا عن حركة الجيل الذي ينتميان اليه والجيل الذي جاء فيما بعد.الاسم الأكاديمي الأكثر ايجابية في مواكبة النشاط الابداعي الحالي هو د. نجمة ادريس التي اهتمت كثيرا في دراسة أعمال الشباب دراسة تستحق أن تكون مرجعا نقديا حقيقيا ومازالت تقوم بذلك رغم اشتياقنا لأعمالها التحليلية، ود.علي العنزي المجتهد في تقديم خطاب نقدي جديد يتناول أعمالا جديدة برؤى غير تقليدية.اقتصرت هنا على أسماء الأساتذة حملت الدكتوراه حتى لا يغضب بقية الأخوة الذين أقدر جهدهم النقدي كثيرا.غياب دور الناقد الأكاديمي ترك المجال مفتوحا للأدباء والشعراء أن يحتلوا أماكن لا يرغبون كثيرا باحتلالها، وترك المجال أيضا لمن لا علاقة له لا بالابداع ولا بالنقد أن يجد نفسه معلما وأستاذا وهنا تكمن الكارثة!