الضجة التي أثارها الزملاء والكتاب المصريون بمناسبة فوز زميلهم الروائي إبراهيم عبد المجيد بجائزة "كتارا" مناصفة مع زملاء آخرين، لم يواجهوا هجوماً مماثلاً من زملائهم، هي ضجة غير مبررة لأسباب كثيرة. وكنا سنقف ضد الأستاذ الروائي، ونجد مبرراً في الهجوم عليه، لو أنه قبل بجائزة يقدمها الكيان الصهيوني مثلاً، أما جائزة تقدمها مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني العربي في الخليج، وإن كانت مدعومة من المؤسسة الحكومية الأكبر، فلا أرى سبباً للصراخ حولها والطعن في صاحبها أو في المؤسسة التي تقدمها.
الأصوات التي رفضت أن يقبل الروائي الجائزة، كانت تتخذ جميعها من الخلاف السياسي بين مصر وقطر مبرراً لرفضها، وهو خلاف عربي – عربي اعتدنا عليه منذ أن بدأ وعينا القومي يتشكل، ولا أتذكر خلال العقود التي مرت صفاء ووداً عربياً شاملاً حتى ونحن نخوض الحروب معاً، والأمثلة التي يمكن طرحها هنا تحتاج إلى سرد تاريخي طويل ربما سيأخذنا بعيداً عن موضوع هذا المقال. في جميع حالات الصراع السياسي بين دولة عربية وأخرى كانت الشعوب العربية تقف جاهدة للنأي بنفسها عن هذه الصراعات، وتنادي بتماسكها الثقافي واللغوي والتاريخي، تاركة ما هو سياسي للسياسي، وما هو مدني للمجتمع المدني. وحتى في حالة احتلال العراق للكويت، وهي الحالة القصوى التي وصل فيها العداء إلى الاجتياح، كان الخطاب الكويتي الثقافي واعياً ويفرق بين النظام السياسي في العراق وبين الشعب العراقي. لم تصل الحالة بين دولة قطر وجمهورية مصر العربية، وهي الأم والقلب لهذا العالم العربي، لحالة الحرب لكي تصنف قطر عدواً لمصر، ولم تصنف قطر عدواً لدول الخليج التي سحبت سفراءها ذات يوم من قطر، وهي الحالة التي يمكن أن نجد فيها مبرراً للهجوم على الروائي واتهامه بالخيانة كما فعل أصحابه في مصر. سأختلف مع الزملاء اختلافاً لا ينفي احترامي لهم، لأننا لو خرجنا من الإطار الثقافي إلى العام، فردة الفعل هذه تعني أن الطبيب المصري الذي يعمل في قطر والمهندس والمدرس وغيرهم ممن ساهموا في بناء قطر ويساهمون اليوم في نهضتها هم أيضا من الخونة الذين علينا أن نهاجمهم ونتهمهم بالخيانة العظمي. والسؤال الأهم هو ماذا لو عادت العلاقات بين قطر ومصر، وقبل الساسة أنوف بعضهم البعض، ونفضوا غبار خلافاتهم، وهو ما يحدث غالباً وفق التقاليد العربية للخلافات؟ هل ستصبح الجائزة مبررة ومقبولة ويباركها المهاجمون؟ جائزة "كتارا" جائزة ثقافية عربية لا تحمل طابعاً سياسياً، وليست مقدمة للساسة المتصارعين ويرفضونها لرفع الحرج السياسي عنهم، بل هي جائزة تعمل على تقريب المثقف من القارئ العربي وتدعم نهضة الرواية العربية، إذ لم تطلب مؤسسة الجائزة من الأستاذ عبد المجيد أن يصدر بياناً يقف فيه مع قطر ضد مصر، ولم تفاخر بمنحها الجائزة له. إن خلافاتنا السياسية لن تنتهي، وتحميل الأديب العربي عبء هذه الخلافات فوق طاقتنا الثقافية، وحين يختلف السياسيون علينا أن نكون أكثر تقارباً عربياً، فربما كان لنا صوت يسمع وسط ضجيجهم. أتخيل مثلاً لو فاز أديب فلسطيني من الضفة الغربية بجائزة من غزة أو العكس، مالذي يمكن أن يحدث له؟ وماذا لو استحق روائي قطري جائزة نجيب محفوظ مثلاً، هل نرفضه لأنه قطري؟
توابل - مزاج
جعجعة بلا مبرر
31-05-2015