عندما يصبح النفط سلعة اختيارية

نشر في 13-12-2014
آخر تحديث 13-12-2014 | 00:01
قبل سبع سنوات كانت شركات النفط، تتوقع وصول سعر البرميل إلى 150 دولاراً نتيجة زيادة الطلب، لذا شرعت في موجة استثمار واسعة، ولكن الآبار الجديدة التي تم حفرها في ألاسكا وآسيا الوسطى والمياه العميقة كانت مخيبة للآمال وأفضت إلى القليل جداً من النفط في مقابل الكثير من رأس المال.
 بلومبرغ • هل نشهد بداية نهاية عصر استبداد النفط؟

في خضم الفوضى التي سادت روسيا ومنطقة الخليج العربي – أكبر منطقتين لإنتاج النفط في العالم – هبط سعر النفط من 110 دولارات للبرميل في الصيف الماضي إلى أقل من 70 دولاراً في الأسبوع الفائت، وقد تعددت أسباب هذا الهبوط وتراوحت بين وفرة النفط نتيجة الطفرة في إنتاج الزيت الحجري في الولايات المتحدة وسعي المملكة العربية السعودية إلى جعل ذلك الزيت غير مربح من خلال تحقيق خفض في الأسعار.

التقلب في أسعار النفط ليس بالأمر الجديد، والديناميكية الأساسية، عبر تسارع الاقتصاد العالمي الذي يدفع التكلفة إلى بلوغ سعر متباين من 125 دولاراً للبرميل إلى حدود تتراوح بين 60 و 70 دولاراً، مسألة ثابتة تماماً، ولكن خلال السنتين الماضيتين استقرت الأسعار عند نطاق 90 دولاراً إلى 110 دولارات للبرميل، ثم بدأ النفط رحلة الهبوط.

وتجدر الإشارة إلى أن الانخفاض يتعلق بقدر كبير بأوضاع العرض والطلب في أميركا الشمالية، كما أن إنتاج الزيت الحجري في الولايات المتحدة ارتفع بـ 3.3 ملايين برميل في اليوم منذ سنة 2010، وأضافت كندا 1.5 مليون برميل في اليوم من رمال القار، وفي الوقت ذاته انخفض استهلاك الولايات المتحدة 3.3 ملايين برميل في اليوم، وأصبحت السيارات الجديدة توفر أكثر من 25 في المئة من الموديلات التي تعود إلى خمس سنوات خلت، إضافة إلى الأميركيين الشباب الذين باتوا يقطعون مسافات أقل في رحلاتهم.

موجة واسعة

وقبل سبع سنوات كانت شركات النفط، التي تتوقع وصول سعر برميل النفط إلى 150 دولاراً نتيجة زيادة الطلب، شرعت في موجة استثمار واسعة، ولكن الآبار الجديدة التي تم حفرها في ألاسكا وآسيا الوسطى والمياه العميقة كانت مخيبة للآمال وأفضت إلى القليل جداً من النفط في مقابل الكثير من رأس المال، وعلى الرغم من ذلك بدأت تلك الآبار في الإنتاج. وفي غضون ذلك، عاد النفط الليبي إلى السوق واستمر تدفق النفط من منطقة الخليج العربي على الرغم من ظهور تنظيم الدولة الإسلامية والحرب الأهلية في سورية، وازداد الإمداد في أماكن أخرى أيضاً، حتى مع هبوط الاستهلاك العالمي من النفط بمعدل 5 ملايين برميل في اليوم.

وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية تعطل حوالي 2.6 مليون برميل في اليوم على وجه التقريب من ناحية الاستثمار في الوقت الراهن، وأفضى إلى خفض السعر بقدر يجعل من الصعب تسديد رأس المال الذي انفق على تطويره. وعلى الرغم من ذلك ونتيجة ضياع معظم تلك التكلفة استمر تدفق النفط غير المربح.

وفي غضون ذلك كانت إيران والعراق وفنزويلا في حاجة ماسة إلى الاستمرار في ضخ النفط لتغطية ميزانياتها، وبسبب العداء بين المملكة العربية السعودية وإيران كان من الصعب على منظمة "أوبك" الاتفاق على خفض معدل الإنتاج، وحتى الرياض ستخسر الأموال إذا قررت خفض الإنتاج من جانب واحد. (وإذا كانت تكلفة إنتاجك من النفط تبلغ 30 دولاراً فستحقق ربحاً مجزياً إذا كان سعر البرميل 60 دولاراً). وفي روسيا قد تفضي العقوبات الاقتصادية إلى إبطاء عمليات تطوير حقول جديدة في المنطقة القطبية، ولكن الآبار الحالية في روسيا ستستمر لسنوات عديدة.

وعلى أي حال فإن إنتاج الزيت الحجري في الولايات المتحدة يتبع مساراً مختلفاً، وبخلاف الحقول التقليدية التي تتطلب العديد من السنوات كي تنضب فإن آبار الزيت الحجري تستنزف بصورة عامة خلال ثلاث سنوات فقط. وعند سعر معين قد يصل سعر الأساس إلى 65 دولاراً للبرميل – كما يصبح تكسير آبار جديدة من الزيت الحجري اقل جاذبية من عمليات الحفر لاستخراج الغاز الطبيعي من إقليم مارسيلوس للزيت الحجري ويحذر البعض من المحللين من أن السندات الضعيفة التي ساندت طفرة الحفر في الولايات المتحدة قد تحولت الآن إلى تهديد للسوق.

ويمثل هذا الوضع النقطة الأقرب إلى السوق الحرة بالنسبة إلى النفط التي شهدناها منذ سنين عديدة، ولا تستغل منظمة أوبك هذا الانهيار في سعر النفط وهي ببساطة ترفض التصرف مثل كارتل وهي تدافع عن الأسعار العالية المصطنعة، والنتيجة تصبح مؤلمة بالنسبة إلى الدول المنتجة.  والسؤال هو هل أن النفط الرخيص مستدام؟ ربما لا. ومع تباطؤ إنتاج الزيت الحجري في الولايات المتحدة وتسارع وتيرة الاقتصاد العالمي سيتجاوز الطلب على النفط الإمداد في نهاية المطاف، ولن يتم تصدير المزيد من النفط من رمال القار الجديدة أو المياه العميقة إلى الأسواق. وقد حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن أسعار النفط إذا لم تظل فوق 100 دولار فإن دول أوبك نفسها لن تعمد إلى استثمارات كافية في إنتاج جديد من أجل توفير إمدادات يعول عليها بعد عقد من الآن، كما أن شركة آي إتش إس سيرا الاستشارية تحذر من احتمال وصول سعر برميل النفط إلى أكثر من 140 دولاراً.

مقاييس جديدة

 وهذا هو أحد السيناريوهات المطروحة، واليكم السيناريو الآخر: قلة فقط من السيارات في الأسطول الحالي في الولايات المتحدة تلبي المقاييس الجديدة الفدرالية في توفير الوقود. وفي سنة 2025 عندما تلبي كل السيارات الأنظمة يجب أن ينخفض استهلاك البنزين في الولايات المتحدة بنسبة 20 في المئة أخرى، وقد تبنت الصين والاتحاد الأوروبي والهند في الآونة الأخيرة مقاييس وقود أكثر شدة، وإذا تبنت إدارة باراك اوباما أهدافاً طموحة إزاء توفير الوقود في الشاحنات فإن أسواقاً أخرى سوف تحذو حذوها.

وسوف يمثل الهبوط في قيادة السيارات ظاهرة مستمرة، ويعاملها العديد في صناعة السيارات على شكل تحول هابط عالمي، وفي الولايات المتحدة كما في شتى أنحاء العالم يسعى الشباب إلى العيش في مناطق حضرية تكون أقل اعتماداً على السيارات، وإضافة إلى ذلك عندما يقود هؤلاء الشباب سياراتهم فإن الكثير منها ستكون من السيارات الكهربائية، وهي أرخص وأكثر سهولة في القيادة في ولايات تعرض فيها شركات تأجير السيارات أفضل الشروط. وقد التزمت أساطيل الشاحنات الكبرى – بما في ذلك فد اكس – بتحويل سياراتها من الديزل إلى الغاز الطبيعي.

وإذا عمدت المصادر الكبرى لاستيراد النفط – الصين وأوروبا والهند واليابان والولايات المتحدة – إلى تسريع جهودها الرامية إلى كسر احتكار النفط على شكل وقود نقل فإن الاستهلاك العالمي سوف ينخفض ليعزز دورة قوية وفعالة: خفض سعر برميل النفط من 120 دولاراً إلى 60 ما يحقق دفعة اقتصادية للدول المستوردة للنفط تصل إلى تريليون دولار.

ويتمثل الخطر الأكبر في الإذعان والامتثال، ومع هبوط الأسعار إلى اقل من 100 دولار للبرميل قد يخدع المستهلكون والدول أنفسهم في الاعتقاد بأن النفط تحول إلى وقود احتكار آمن، بحيث لن نكون حقاً في حاجة إلى بناء بنية تحتية من أجل السيارات الكهربائية، وتلك التي تعمل بالغاز الطبيعي وأن استمرار التقدم نحو توفير الوقود هو عبء مرهق إلى حد كبير. وسيمثل ذلك ضربة مدمرة بالنسبة إلى الازدهار العالمي والمناخ والجوانب الجيوسياسية. وبدلاً من ذلك نحن في حاجة إلى مزيد من السياسات على غرار مقياس كاليفورنيا للكربون المنخفض من أجل تسريع وتيرة الانتقال من حالة الاعتماد على النفط حتى مع ازدياد هبوط أسعاره.

سيستمر النفط على شكل وقود نقل لعقود عديدة مقبلة، ولكنه على شكل احتكار قد أصبح الآن أحد خيارات كثيرة، والأمر متروك لنا: لدينا خيارات تتمثل في سيارات كهربائية أو عاملة بالغاز الطبيعي، وأنظمة النقل العام تقلل من الحاجة إلى السيارات في المناطق المكتظة بالسكان، وفي وسعنا فصل النفط عن النمو الاقتصادي، وجعل مناخنا أكثر استقراراً واقتصادنا أكثر قوة وجعل هيمنة النفط وراء ظهورنا.

back to top