يكافح الأميركيون لمساعدة السُّنة في تشكيل نواة عسكرية منظمة تنخرط رسمياً في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكي يبرروا أمام الكونغرس، وأمام الحكومة العراقية ضرورة تسليحهم ودعمهم. وبينما يحقق مبعوثو واشنطن نجاحاً أولياً مع مراكز القوى في الموصل وتكريت، فإنهم يواجهون صعوبة مع عشائر الأنبار، التي تنخرط فعلاً في محاربة المتطرفين الذين يهددون مركز مدينة الرمادي الاستراتيجي، بموازاة وضع غامض في الفلوجة الخارجة على سيطرة الحكومة منذ سنة.

Ad

فقد نجح أثيل النجيفي محافظ نينوى في استيعاب معارضيه داخل مجلس المحافظة، وتقدم خطوات في إنشاء معسكر على أطراف بعشيقة بين كردستان والموصل، يشهد تدريباً لعناصر الشرطة والمتطوعين، ويمثل قوة قد تبلغ 50 ألف عنصر، تحضيراً لعمليات تحرير نينوى، التي يمكن أن تنطلق بعد انتهاء موسم الشتاء. ويبدو أنه أجرى محادثات ناجحة في واشنطن التي زارها لإقناع البيت الأبيض وأجهزة الاستخبارات الأميركية بدعم جهوده، التي يحرص أن يتحدث عن كونها منسقة مع بغداد، مستفيداً من انفتاح حكومة حيدر العبادي.

ويبدو الوضع مشابهاً بالنسبة إلى تكريت، التي يحتفظ ساستها بعلاقة جيدة مع شمالهم الكردي، ويعملون بشكل مقبول مع جنوبهم الشيعي، بينما تحتفظ المدينة، وهي مسقط رأس صدام حسين، بعلاقة متميزة مع الولايات المتحدة، طوال ١١ عاماً، في مفارقة سياسية كبيرة.

أما في الأنبار فلايزال الجنرال جون ألن، المكلف من واشنطن بالتعامل مع ملف «داعش» في العراق، يتعامل مع شركاء قدامى قاتل معهم تنظيم «القاعدة» ضمن تجربة الصحوات عام ٢٠٠٧، ومؤخراً أخذ معه إلى واشنطن وفداً يمثل ضباطاً سابقين في الجيش والشرطة، إلا أنه آثار غضب أهم عشيرتين تقاتلان «داعش» على الأرض، وهما البوعلوان والبونمر، اللتان من غير الواضح أسباب تجاهلهما من قبل الجنرال الأميركي.

وشن متحدثون باسم مقاتلي القبائل حملة اعتراض على وفد الأنبار الذاهب إلى الولايات المتحدة، وقال بعضهم: إننا نقاتل «داعش» ونتعرض للذبح ونعاني نقص التسليح، بينما يذهب غيرنا إلى واشنطن ليحصلوا على المال، وقد يجري تنصيبهم أمراء علينا في ما بعد.

ولم يفلح مجلس المحافظة، وهو الحكومة المحلية في الأنبار، في استقطاب الفصائل المقاتلة، لأن الانتخابات التي جرت عام ٢٠١٣ لم تتح وصول كثير من الساسة وشيوخ القبائل إلى السلطة، بعد أن جرى استبعاد رافع العيساوي وزير المال المعارض لنوري المالكي، وأحمد العلواني النائب المحكوم لاحقاً بالإعدام، وشخصيات أخرى كانت تمثل الشريحة المحتجة على بغداد.

ويقول الخبراء إن تنظيم الانقسامات العشائرية في الأنبار شرط أساسي لإنجاح الحرب على «داعش» هناك، ووضع الترتيبات السياسية والضمانات المطلوبة. وتشتد الحاجة إلى إجراء كهذا، حتى لو تطلب وساطات عربية أو تركية، لصد هجمات المتطرفين المتواصلة منذ أسبوعين ضد مركز الأنبار، رغم أن الضباط العراقيين يقولون إن «داعش» لا يدفع بأعداد كافية من مقاتليه في حرب الرمادي، ويبدو أنه متردد في احتلالها، خشية أن تتحول إلى عبء عليه، محذرين من أنه قد يعمد إلى صناعة اضطراب أمني في غرب بغداد المحاذي للفلوجة، ليضمن ضجة إعلامية يحتاج إليها بعد انتكاسات في أكثر من قاطع عمليات وضربات جوية مكثفة يقوم بها التحالف الدولي ضد خطوط إمداده ومخازن ذخيرته.

أما في الفلوجة، وهي أكثر المدن تشدداً في الموقف من الحكومة وعدم الثقة بوعود حيدر العبادي، فإن المصادر تقول إن واشنطن تبلغت بوجود ألف مقاتل داخل المدينة معروفين بكفاءاتهم، وهم مستعدون لطرد «داعش»، إلا أن هؤلاء طالبوا أثناء تواصلهم مع الأميركيين بضمانات سياسية كبيرة، وأرادوا موقفاً شيعياً أوضح حيال ملف المعتقلين ومنتسبي حزب البعث، ومرحلة ما بعد طرد التنظيم، وهي أمور لاتزال الحكومة وجناحها الشيعي مترددين بشأنها.