الشبابية الكويتية والنشر
«باريس ضمن حضوري المنتظم في "جامعة كنغستون لندن-Kingston University London" لتكملة دراساتي العليا في الكتابة الإبداعية، حضرت مؤخراً "ورشة للكتابة الإبداعية"، حاضر فيها أحد المسؤولين عن دار نشر إنكليزية، موضحاً أن النشر الأدبي في جوهره هو مشروع تجاري، وأن أي دار نشر صغيرة تحاول جاهدة إيجاد موقع قدم لها في سوق صعب وشرس، يجب عليها البحث عن نصوص إبداعية شبابية ذات بنية فنية متكاملة، لتقدم نتاجها الأدبي بشكل لافت، كي تكسب ثقة القراء، وتحفر لنفسها مكانة محترمة. وضرب مثلاً بوصول روايات صادرة عن دور نشر صغيرة إلى القائمة القصيرة لأهم جائزة أدبية في بريطانيا وهي جائزة "المان بوكر للرواية - Man Booker Prize for Fiction"، وأن ذلك يشكل حضوراً مهماً لأي دار نشر صغيرة، ويضمن لها انتشاراً واسعاً ومحترماً في الآن نفسه. وعلى العكس من ذلك، تخبط أي دار مبتدئة بكتابات سطحية أو هابطة سيُبعد جمهور القراءة عنها.حديث المحاضر بدا شديد الصلة بسوق النشر الكويتية. ففي السنوات القليلة الماضية، تأسست أكثر من دار نشر كويتية، يقوم شباب كويتي وعربي على توجيهها وتواصلها مع جيل من الشباب الكويتي. وللأسف صار معروفاً أن جلّ نتاجات تلك الدور ضعيف، ولا أريد أن أقول هابط، سواء على مستوى المضمون أو الشكل وتحديداً اللغة، ولا يرقى أبداً لمرتبة النشر، وأن نشر هذه الكتب فيه إساءة للكاتب وللدار.
أنا ضمن مجموعة من الكتّاب الكويتيين الذين يؤيدون نتاج الشباب، واتجاههم إلى القراءة والكتابة، مع ضرورة الأخذ بيدهم ورعايتهم وتشجيعهم في كتاباتهم الأولى، والوقوف إلى جانبهم في بداية مشوارهم الأدبي. لكني قلت رأيي الصريح في أكثر من محاضرة وكتابة: "إن أهم ما يمكن تقديمه لهؤلاء الشباب هو نصيحتهم بأهمية تسلحهم بالمعرفة العلمية الضرورية لأي جنس أدبي يخوضون فيه. وذلك كي تحقق أعمالهم الشروط الفنية الأساسية الواجب توافرها في الكتابة الإبداعية". الجامعات الغربية منذ قرابة نصف قرن تتعامل مع الكتابة الإبداعية بوصفها علماً يخضع لأصول لابد لكل طالب أن يلمّ بها قبل أن يطلق لقلمه العنان، ويخطو خطوته الأولى في طريق النشر، وهذا ما يجب أن ينتقل إلى جامعاتنا ومعاهدنا المتخصصة. وهذا ما يجب أن تقف عنده دور النشر الكويتية كي تحفظ ماء وجهها، وكي تبني سمعة طيبة لها، وكي تقدم إضافة مشرّفة لسمعة الكويت في مجال النشر الأدبي، خاصة أن هذه الدور صارت تحضر معارض الكتب العربية، مما يتيح للقارئ العربي مجالاً لأن يقف على نتاجها ويقارنه بنتاج أي دار نشر عربية.جميلة التظاهرات الشبابية التي بات معرض الكويت للكتاب يشهدها في سنواته الأخيرة بتواجد أعداد كبيرة من الشباب في دور نشر كويتية، وهم يشاركون في نشر أعمالهم وأعمال أصدقائهم، وتلك المنافسة الواضحة بين دور النشر الكويتية لاستقطاب الشباب. لكن ما يجب التنبه إليه هو أن جزءاً كبيراً من نتاج هذه الدور يكاد لا يُقرأ، مفتقراً إلى أبسط قواعد النشر، بدءاً بنوع الورق وصورة الغلاف، مروراً بحرف الطباعة، وانتهاء بمضمون تلك الأعمال واللغة المكتوب بها. لذا يجري الحديث في أكثر من دائرة ثقافة عربية من أن دور النشر الكويتية ضحلة النتاج، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة نتاجها بنتاج دور النشر العربية.الخطوة الأولى لأي دار نشر هو وجود لجنة قراءة محترفة تفرز الجيد من السيئ، وتلتقط الأعمال اللافتة وتدفع بها للنشر، وبما يخلق الثقة بين الناشر والقارئ، ويحقق للكاتب الكويتي مكانة أدبية مرموقة يزهو بها.