علاقة الفساد المالي مرتبطة بالفساد الإداري، والحديث عن أحدهما لابد أن يجرك إلى الآخر؛ لذا مسؤولية استمرارهما تقع على مجلس الوزراء ومجلس الخدمة المدنية ومجلس الأمة، فهي الجهات التي تملك أدوات التشريع والمراقبة، وهي من بيدها تحديد المدة التي يقضيها القيادي في منصبه، والتي أتمنى أن تقتصر على ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة تعطى للمتميز جداً.

Ad

قبل أكثر من سنة تقريباً كتبت مقالاً تحت عنوان "الرجعان تاركاً 22 ملياراً" في إشارة واضحة لتصريح غير منطقي أراد فيه الرجل أن يوهم الشعب بأنه خرج خروج الأبطال، وأنه السبب وراء الملاءة المالية للمؤسسة في مقارنة فيها الكثير من المغالطات، والتي طالبته في حينها بالخروج إلى الشارع لتفنيد تلك الإنجازات، لكن هيهات، فالنيّة مبطنة والصمت كان لحاجة في نفس الرجعان.  

 إن كان كل تصريح الرجعان عن ٢٢ مليار دينار التي تركها في خزينة مؤسسة التأمينات لم يقنع أحداً، فما بال الإخوة في التأمينات صامتين عن مبلغ نصف المليار الذي دخل في حسابه مع معرفتهم أن الرجل لا يمكن أن يكون بهذا الذكاء الخارق لولا وجود شبكة عنكبوتية صنعها أو صنعته؟

قضية بهذا الحجم تحتاج إلى فتح باب التحقيق على مصراعيه من القائمين على المؤسسة، فهم في مرمى الاتهام إن لم يبادروا بكشف الحقيقة، والشبكة التي ساعدته في تهريب هذه الملايين، وكيف استطاع استخدام المؤسسة للوصول إلى هذا الرقم المرعب، ومن يقف وراء الصفقات والعمولات المشبوهة.

المال السائب يعلم السرقة

القضية تعود بنا إلى المربع الأول وإلى سهولة استباحة المال العام، والتي في العادة تختفي معالمها وآثارها، حالها حال الداو، وتهريب الديزل، والناقلات، ومولدات الكهرباء، والحبل على الجرار، فبعد كل هذه "البلاوي" التي تتم في وضح النهار ألا يحق لنا أن نتساءل: متى سيقف قطار السرقات؟

علاقة الفساد المالي مرتبطة بالفساد الإداري، والحديث عن أحدهما لابد أن يجرك إلى الآخر؛ لذا مسؤولية استمرارهما تقع على مجلس الوزراء ومجلس الخدمة المدنية ومجلس الأمة، فهي الجهات التي تملك أدوات التشريع والمراقبة، وهي من بيدها تحديد المدة التي يقضيها القيادي في منصبه، والتي أتمنى أن تقتصر على ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة تعطى للمتميز جداً.

تجديد واختيار القياديين لا يخضع لأي قانون حتى هذه اللحظة، والموضوع كله مرتبط بمزاج الوزير، فلا آليات لقياس الكفاءة، ولا أدوات مراقبة، ولا قانون لكشف الذمة المالية، وكأن تلك الوظائف وجدت للمنفعة الخاصة لا المصلحة العامة.

ترشيد وتوجيه الإنفاق الحكومي لا يمكن أن يحملا صفة الجدية مادامت السرقات تتصدر عناوين الصحف، والقائمة تخلو من أسماء المتهمين وأسماء من يقف وراءهم، حتى إن ظهرت فلا تجد من يأخذ على أيديهم ويسترجع الأموال المسروقة منهم، وإلى أن نصل إلى ذلك الوقت تبقى الثقة معدومة بالحكومة والمجلس.

إن كان المجلس يتباهى بإقراره الكثير من القوانين فعليه أن يثبت تميزه، وأنه مجلس إنجاز من خلال إقرار قانون الذمة المالية وإلا "كأنك يا أبو زيد ما غزيت".

ودمتم سالمين.