رغم تأكيدات النواب المتكررة في الإعلام رفض الخطاب الطائفي داخل قاعة عبدالله السالم، فإن الواقع يأتي على خلاف ذلك، إذ شهدت المجالس المتعاقبة سجالات وصلت إلى حد الضرب بسبب الخوض في المسائل الطائفية، فهل يعي النواب خطورة لعبة الطائفية السياسية؟
لم تكن حادثة تبادل الضرب بين النائبين د. عبدالحميد دشتي وحمد الهرشاني الأولى من نوعها في الحياة البرلمانية، فهذا المشهد أصبح جزءا من الحياة الطائفية التي تعيش تحت قبة عبدالله السالم وبين أروقة مجلس الأمة، فإن لم تكن الحادثة ضربا بالأيدي و«العقل»، فهناك حوادث تستخدم أسلحة أخرى أشد، وهي تبادل العبارات والاتهامات ذات البعد الطائفي.والموقف الحكومي ليس بعيدا عن هذا الخطاب النيابي الطائفي، إذ يعد جزءا أساسيا من تأجيجه، لانتقائية الحكومة في تطبيق قانون الوحدة الوطنية الذي وضعته ودفعت به بمرسوم ضرورة لمواجهة الطائفية، فضلا عن سياستها الكيل بمكيالين، ولا نخطئ إن قلنا إن الحكومة تتفاعل مع الخطابات الطائفية بحسب المزاجية، وكسياسة لتحقيق الأهداف في مرمى النواب متى ما وجدت الفرصة لذلك.ولا تبدو العقوبات الواردة باللائحة الداخلية للمجلس ذات جدوى في معالجة «الطائفية النيابية»، بل إن كل جزاء يمكن أن يتعرض له النائب بسبب موقف يحمل النفس الطائفي، فهناك أصوات مضمونة تقابله في صناديق الانتخابات المقبلة، وهذا انعكاس لما تعيشه الدولة من صراعات بين فئات الشعب، وإن كانت هناك محاولات لإخفائها خلف عباءة الوحدة الوطنية، لأن هذه الصراعات نتيجة حتمية لما تعيشه المنطقة بشكل عام من أزمات.لكن، هل يعترف النواب بوجود هذا الخطاب وهم أصحابه؟ أم يبحثون دائماً عن مبرر له؟يقول النائب عبدالحميد دشتي، وهو أحد النواب الذين يتهمون دائما بالخطاب الطائفي، وهو الطرف الثاني في العراك مع النائب حمد الهرشاني في جلسة الأسبوع الماضي: «ان معظم النواب يرفضون الخطاب الطائفي، بمن فيهم رئيس المجلس»، مستدركا «لكن هناك نفراً يحاولون اثارة هذا الخطاب، ولا أعتقد أنهم متعمقون في فهم تداعياته، وما سيترتب عليه».الوقت غير مناسبوأوضح دشتي لـ«الجريدة» أن هذا الزمن «ليس زمن طرح القضايا الطائفية في ظل ظروف اقليمية بهذا الشكل، وفي ظل ظروف خطر عام يهددنا، لا أعتقد ان الوقت مناسب الآن لطرح هذا الخطاب، وحتى لمن يعتقد أن اثارة هذا النوع من الخطابات يخدمه في التكسب السياسي»، لافتا إلى أن «هناك بعضاً آخر يطرح الموضوع بحسن نية، عند الحديث عن الحروب في المنطقة، ويعتقد أن هذا الأمر يستفز نواباً مع طرف ما، لكن في الأخير يكون في اطار حسن النية».حديث دشتي إلى «الجريدة» لا يتوافق برأي المراقبين مع تصريحاته التي دائما ما تتحدث عن الشأن البحريني والسوري، وهو متهم في قضيتين بسبب تصريحاته عن السعودية والبحرين.ويصف دشتي تصريحاته فيما يتعلق بهذا الشأن بالحكمة، قائلا: «أنا من النواب الذين عندهم طرح حادّ في بعض القضايا، لكنني، في القضايا من هذا النوع، أتحلى بالحكمة، ولا أثيرها، ولا أحاول تأجيجها، ولكن احيانا عندما يطرح أحد النواب الخطاب الطائفي نستوعبه بالمداعبة، لأننا لا نريد ان نعامل من يثير هذه القضايا على أنه سيئ النية». ولفت إلى ان «البعض يطرح هذا الخطاب لأجل التكسب، ولكن لا يعرف تبعات هذا الأمر والخسائر التي يتكبدها، لكن جميعنا كنواب في هذا المجلس نحتاج إلى أن نأخذ هذا الأمر بحسن نية».ولا ينكر دشتي وجود هذا النوع من الخطاب تحت قبة عبدالله السالم، ولكنه أرجع سبب ذلك إلى غياب رئيس المجلس مرزوق الغانم عن رئاسة الجلسات، فيقول «أما ما يثار تحت قبة عبدالله السالم من خطاب طائفي، فنلاحظ في الفترة الأخيرة أن هناك حالات شد وجذب وتشنج، عندما يكون هناك انحراف، خصوصاً في غياب رئيس المجلس»، مبيناً أن «اللائحة الداخلية نظمت من يتولى الرئاسة ويراعي اللائحة، وفي هذه الحالة تحصل بعض التجاوزات».وتابع: «يمكن أن أكون حاداً في التصدي لتلك التجاوزات، لأنني لا أقبل أن يقال إن المجلس كان ساكتاً عندما انحرف من تولى سدة الرئاسة من باب عدم المعرفة والإلمام ببعض الأمور التي تنظمها اللائحة، وبالتالي لابد أن ننبه بأي شكل من الأشكال من خلال نقاط النظام أو من خلال المداعبة، وبالتالي يمكن أن يقع تشنج لمن يقع تحت إرهاصات هذا الضغط، وبالتالي ينفجر ويوتر الأجواء». إلا أن النائب عبدالله المعيوف وصف الخطاب الطائفي في المجلس الحالي بالنادر، «وإن كانت تثار بين فترة وأخرى من قبل نائب أو نائبين، والمقصد منها التكسب أو إبراز القدرات في الحديث، في ظل عدم قدرة البعض على المناقشة والإقناع» على حد قوله.وأضاف المعيوف لـ»الجريدة»: «إحقاقا للحق وشهادة للتاريخ لا أحد من الاخوة النواب الشيعة الموجودين في المجلس الحالي طرح الجانب الطائفي أو حتى فتح هذا الملف، مقارنة بواحد معين في المجلس، يحب دائماً أن يطرح هذا الموضوع».بدوره، قال النائب حمود الحمدان، وهو من النواب الإسلاميين في المجلس الحالي، إن «التعاطي مع الأمور الطائفية بهدف التكسب الانتخابي لا يختلف كثيراً عن القنابل التي يتم تفجيرها في المجتمعات».ويقول النائب الحمدان في حديثه مع «الجريدة»: «لاشك أن أعضاء مجلس الأمة هم من يمثلون الأمة في قاعة عبدالله السالم، ويقومون بدورين، إحداهما رقابي من خلال متابعة أداء الحكومة، والآخر تشريعي بإقرار القوانين التي يحتاج إليها المجتمع، وهم يمثلون فئة النخبة للمجتمع على اختلاف طوائفهم ومناطقهم، ومن يكون نخبة فلابد أن يكون قدوة للمجتمع في تصرفاته».وطالب الحمدان نواب الأمة «في ظل ما تشهده المنطقة من حولنا من أحداث ملتهبة بأن يتقوا الله في كلامهم واعمالهم،والا يكون للخطاب الطائفي مكان بين النواب داخل مجلس الأمة أو حتى خارجه».الأوضاع الإقليمية المتفجرةولكن هل تجد مطالبات الحمدان صدى لدى النواب؟ أم ان الخطاب سيستمر مع استمرار الأوضاع الإقليمية المتفجرة؟يشدد النائب فيصل الدويسان على ضرورة تحديد المقصود أولا بالخطاب الطائفي، ويطرح جملة من التساؤلات «فهل عندما يتناول النائب طائفة معينة يصبح طائفيا، في حين عندما يتناول طائفة أخرى يكون غير طائفي؟ وهل الطائفية تكون عندما يدافع النائب عن فئة مظلومة أو رد الشبهات عن فئة أخرى؟وقال الدويسان لـ»الجريدة»: إن «النائب حر في ما يبديه من آراء داخل قاعة عبدالله السالم، والاحتقان الطائفي موجود في الإقليم، بل وصل إلى حد الاحتراف الطائفي، وينعكس هذا الأمر على الكويت». وأشار إلى أن معالجة الخطاب الطائفي لا تكون من مجلس الأمة، «فهو في النهاية جزء من المجتمع، إذ يكون ذلك من خلال إيجاد حل شمولي وليس جزئيا، فأمر طبيعي تناول الخطاب الطائفي في الكويت بعد غياب المناهج الدراسية التي توحد الأمة»، لافتا إلى أنه «عندما تتم معالجة المناهج الحالية، وعندما تقوم المساجد بدورها وتبتعد عن الأمور الطائفية، فإن الخطاب الطائفي سيغيب».ويقر الدويسان أن حل أزمة الخطاب الطائفي في المجلس يبدأ من قاعة عبدالله السالم، قائلا ان «المجلس جزء بالمجتمع... إذا تمت معالجة جذور هذه القضية في المجتمع، فلن يخوض النائب في الأمور الطائفية، لأنه لن يجد وقتها من يصفق له من الجمهور». وفي الختام «أقول للحكومة التي تعد مسؤوليتها منفردة اخلقي جمهورا واعيا تنقطع الطائفية في المجتمع».ولا يختلف النائب عبدالرحمن الجيران، وهو نائب عن التجمع الإسلامي السلفي عن زملائه النواب في رفض الخطاب الطائفي، بل ذهب أبعد منهم بالرفض بقوله «الخطاب الطائفي واستغلاله سُلماً للصعود السياسي ينم عن مراهقة متأخرة وإفلاس أخلاقي وفكري ومنهجي».ولكن النائب الجيران وجه سهام اتهاماته الى الغرب الذي وصفه بأنه «أدار هذا الملف باقتدار مستعيناً بأبواق مأجورة وفضائيات ورموز سياسية راغبة في الظهور والتكسب على دماء وأشلاء الأبرياء، فهذه الدُمى المتحركة لا تنشط إلا في بيئة الحروب والجهل ونقاط الصراع».وعبّر الجيران عن أسفه لعمل «الأبواق المأجورة» في بيئة نظيفة مثل الكويت «بعد تعرّي جميع الأحزاب العروبية والناصرية والبعثية والقومية، نجدهم يستثمرون الخطاب الطائفي المحلي والإقليمي».إلا أن الجيران كان أكثر إيجابية وتفاؤلا بالقضاء على الخطاب الطائفي بشكل عام بقوله «القضية الآن تعدت مراحلها الثلاث الأشد، ولم يبق إلا النهايات والقضاء عليها مجتمعياً وقانونياً ودستورياً ودينياً لجهة استنفاذها لجميع شعاراتها، وسقوطها جميعاً أمام وعي دولة التوحيد ومهبط الوحي المملكة العربية السعودية».من جهته، أكد النائب سلطان اللغيصم رفضه لتداول الخطاب الطائفي في قاعة عبدالله السالم أو بين أعضاء مجلس الأمة، نظراً لخطورة انعكاس ذلك على المجتمع، خصوصا أن نواب الأمة يمثلون نخبة المجتمع، ويجب ان يكونوا على قدر المسؤولية الموكلة لهم.وقال اللغيصم في تصريح لـ»الجريدة» إن «الطائفية تحرق الاخضر واليابس، وعلى نواب مجلس الأمة البعد كل البعد عن كل ما يثير النعرات الطائفية أو القبلية، والتركيز على كل ما يهم المواطن الكويتي».وأضاف اللغيصم «صحيح قد يتكسب صاحب الخطاب الطائفي انتخابيا، لكن الخاسر الوحيد من هذا الخطاب بلدنا الحبيب، لذا علينا تغليب مصلحة الكويت على اية مصالح اخرى»، مشيدا بإدارة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم للجلسات، والتي نجحت في إطفاء نار العديد من السجالات الطائفية، لكن تبقى المسؤولية الكبرى على النواب في مساعدة الرئيس من خلال تجنب الخوض في المسائل الطائفية.خلاف الواقعالحديث مع النواب كان يحمل نبرة رفض للخطاب الطائفي النيابي داخل قاعة عبدالله السالم وخارجه، إلا أن الواقع مخالف لما يقال للإعلام، فما يصدر عن النواب من كلمات وهمز ولمز يكفي أن يكون شاهد ملك على الخطاب الطائفي النيابي داخل المجلس.شواهد تاريخية على هذا النوع من الخطابات يمكن الاستدلال عليها، وأبرزها ما كان يقال في ما اطلق عليه جزافا حادثة «تأبين مغنية»، التي انتقل فيها الاصطفاف الطائفي من المجلس الى الشارع، ولا يمكن تجاوز أول حادثة تبادل بالضرب في مجلس الأمة 2009 وصولا إلى الحادثة الأخيرة بين النائبين دشتي والهرشاني، ومع هذا لم ينته الخطاب النيابي الطائفي، بل أخد في التوسع نوعا وفعلا.هناك محاولات لا يمكن استنكارها لاحتواء الخطابات الطائفية النيابية، ولكنها دائما ما تكون أضعف من الموجة الطائفية التي تضرب المجلس، فهل يعي النواب بشكل خاص والسياسيون بشكل عام خطورة لعبة الطائفية السياسية؟
برلمانيات
الخطاب النيابي الطائفي... هل تعي السلطتان خطورته؟
06-06-2015