بعد أيام على الاعتداء المميت الذي تعرضت له صحيفة شارلي إيبدو الباريسية، أعلنت فرنسا "الحرب" على الإرهاب، فنزل أكثر من 10 آلاف شرطي من القوات شبه العسكرية إلى الشارع، وانتقد المحافظون الأميركيون الرئيس باراك أوباما لعدم قيادته هذه الحرب الجديدة ضد المجاهدين.

Ad

آسف للقول إن هذا الحشد للحرب على الإرهاب يشكل رداً غير صحيح على مأساة "شارلي إيبدو"، لأنه يكرر الأخطاء عينها التي ارتكبتها الولايات المتحدة في رد فعلها تجاه اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

بعد رؤية حرب المجاهدين تشتعل عبر الإنترنت والاعتداءات المعزولة في باريس وغيرها من المدن، يطالب المواطنون الخائفون (والسياسيون الانتهازيون) برد فعل قيادي تنازلي، وقد نميل إلى تخيل نسخة معاصرة من "ورليتزر الجبار" (الاسم الذي أطلقته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على عملية توجيه الرسائل المناهضة للشيوعية في أواخر أربعينيات القرن الماضي ومطلع الخمسينيات). قد تكون استراتيجيات الدعاية هذه مبررة، إلا أنها غير صحيحة بالتأكيد. أي رسالة مناهضة للإرهاب قد تكون مقنعة؟ أصغوا إلى مالك مرابط الفرنسي من أصل جزائري وهو ينعي أخاه أحمد، شرطي قُتل في اعتداءات باريس، فقد أعلن بعد مراسم الدفن: "كان أخي مسلماً، وقُتل على يد أناس يدعون أنهم مسلمون، لكنهم في الواقع إرهابيون، وهذا كل ما في الأمر".

بعد مأساة باريس، اكتشف المحللون المتخصصون في مجال الإرهاب روابط بين تنظيم القاعدة في اليمن و"داعش"، ولكن بدل اعتبار ذلك مؤامرة مباشرة، قد يكون من الأفضل تحليل علاقات سعيد وشريف كواشي، منفذي عملية شارلي إيبدو، وأحمدي كوليبالي، الرجل الذي هاجم المتجر اليهودي، بعصابات الشوارع والمجرمين في السجون. تشير أخبار الصحف الفرنسية إلى أن هذا الثلاثي أقرب إلى ما دعاه مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية السابق مارك سايغمان "الجهاد الذي لا قائد له"، لا نموذج تنظيم القاعدة الأساسي، كما في اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.

يوضح مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية ينظم راهناً جهود القطاع الخاص لمحاربة التطرف: "نرى مبالغة خطيرة في تحديد دور الدين في كل هذه التطورات، فعندما نعلق في مناظرة دينية لا نفوز مطلقاً، بل نخطئ في تحديد الهدف الأساسي، ألا وهو: يقدم المتطرفون للشبان إحساساً بالانتماء، ومجالاً للمغامرة، ونوعاً من المكانة الفضلى، ولمحاربة كل هذا علينا السعي إلى التقرب منهم كشبان أكثر منهم كمسلمين".

ماذا تعلمت الولايات المتحدة خلال عقد من المعارك المضنية ضد تنظيم القاعدة؟ خلال الأسبوع الماضي طرحت هذا السؤال على خبراء مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض ومختلف وزارات الحكومة، وحصلت على بعض الأجوبة المحددة.

أولاً، لا تشكل الولايات المتحدة صوتاً عالي المصداقية لإخبار المسلمين عن ماهية الإسلام الفعلي، ومن الضروري أن تأتي محاولات مواجهة المتطرفين العنيفين من مراكز دينية في مصر، والمملكة العربية السعودية، ودول أخرى في العالم الإسلامي. ولعل أفضل مثال على ما يُعتبر ضرورياً دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأخيرة لـ"ثورة دينية" ضد التطرف العنيف، صحيح أن التكنولوجيا الأميركية قادرة على الترويج لرسالة مماثلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها لا تستطيع أن تكون مصدرها.

ثانياً، تعلم المسؤولون الأميركيون أن أفضل البرامج المحلية لمحاربة المتطرفين العنيفين تشمل جهوداً تصاعدية يتعاون فيها مطبقو القانون المحليون مع المنظمات الإسلامية وغير الإسلامية في المجتمع، على سبيل المثال، عندما أرادت ثلاث مراهقات متطرفات بسبب علاقاتهن عبر شبكة الإنترنت في منطقة دينفر القتال في سورية السنة الماضية، لاحظ المجتمع الإسلامي المحلي هذه الإشارات التي تنذر بالسوء، فأوقفهن، وخلال اجتماع عُقد لاحقاً لبعض الشخصيات البارزة في هذا المجتمع، عرض مسؤول من المركز الوطني لمكافحة الإرهاب صور سكين، ومسدس، وهاتف خلوي، وحذر من أن الهاتف قد يكون الأكثر خطورة.

سيشكل التعاون بين رجال الشرطة والقادة المسلمين محور اجتماع في البيت الأبيض في الثامن عشر من فبراير، موضوعه مواجهة التطرف العنيف، وسيتناول هذا الاجتماع قصص النجاح في بوسطن، ولوس أنجليس، ومينيابوليس. صار المسؤولون يدركون اليوم أن ثمة تواصلاً بين نشاط عصابات الشباب الإجرامي والحشد الإرهابي. يوضح المحلل الأسترالي سام مولنز: "يجب أن يكتسب الإرهابيون مهارات إجرامية ضرورية كي يتمكنوا من تأدية دورهم بفاعلية".

أما الدرس الثالث، فيحدد أن إيصال الرسائل بفاعلية لمواجهة الإرهاب يعتمد بالضرورة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لابتكار ما دعاه مسؤول أميركي "شبكة الشبكات"، ومن الأمثلة على ذلك شبكة "ضد التطرف العنيف" التي رعتها مؤسسة Google Ideas عام 2011، وتشمل هذه الشبكة 300 عضو كانوا سابقاً من المجاهدين، وأفراد العصابات، والقوميين المتشددين، ويعملون راهناً على تقديم المشورة والنصح على شبكة الإنترنت لمتطرفين محتملين. ومن المشاريع البريطانية المبتكرة في هذا المجال "عبدالله- إكس" الذي أنشأه مجاهد سابق، فعندما يبحث شاب في بريطانيا على شبكة الإنترنت عن معلومات بشأن السفر إلى سورية للجهاد، يتلقى إعلاناً موجهاً يضم شخصية كرتونية هدفها مواجهة التطرف، وتذكر إحدى هذه الشخصيات الكرتونية: "عليك أن تقتل الآخرين لتجعل عالمك أكثر نقاوة، أتظن حقاً أن هذا هو الإسلام؟ هل هذا منطقي؟".

* ديفيد إغناتيوس | David Ignatius