فجر يوم جديد: .. وإن طال السفر!
لم أكن أتخيل أن شيئاً سينجح في إزالة شعور الاحتقان، وربما الغضب، الذي اعتراني عقب اكتشافي أن وصولي إلى مدينة وهران الجزائرية (450 كلم غرب الجزائر)، تلبية لدعوة إدارة الدورة الثامنة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي (3 - 12 يونيو 2015)، سيكون عبر طريق «رأس الرجاء الصالح»، فقد تحركت في السادسة والربع صباحاً من مطار القاهرة إلى مطار محمد الخامس بالعاصمة المغربية كازابلانكا، ومنه إلى العاصمة الجزائرية ثم اتجهت بي الطائرة إلى مدينة وهران لأدخل حجرتي بالفندق المخصص للإعلاميين في الحادية عشرة مساءً! بالطبع تراجع غضبي قليلاً عندما علمت أن عدداً من ضيوف المهرجان قادتهم الأقدار إلى الهبوط في مطار «إسطنبول» قبل أن تنطلق بهم الطائرة مُجدداً إلى العاصمة الجزائرية ثم وهران. لكن الغضب تلاشى تماماً مع وصولي إلى مركز المؤتمرات محمد بن أحمد بمدينة وهران، حيث أقيم حفل الافتتاح، ورأيت الجموع الغفيرة، من المواطنين البسطاء، التي احتشدت على جانبي الطريق أمام مركز المؤتمرات وهي في لهفة لرؤية، ولا أقول مصافحة، ليلى علوي، يحيى الفخراني، صباح الجزائري، سعاد ماسي وخالد أبو النجا، فمن أجل هؤلاء تُقام المهرجانات، ومن دونهم تتحول إلى «حفلات تأبين»!
«وهران» مدينة تحب السينما، بدليل أن واليها عبد الغني زعلان تذكر الراحلين، وأحصاهم بالاسم في كلمته، كذلك تأسى على رحيل المخرج السينمائي الجزائري ابن عمر بختي (1941 – 2015) صاحب فيلمي «الشيخ بوعمامة» و«التاكسي المخفي»، الذي وافته المنية قبل افتتاح المهرجان. وعرض المهرجان أيضاً فيلماً عن المكرمين الراحلين: الممثلة المصرية فاتن حمامة، الكاتبة والروائية الجزائرية آسيا جبار، الممثلة الجزائرية فتيحة بربار، الممثل الجزائري سيد علي كويرات، المخرج الجزائري عمار العسكري والناقد السوري قصي صالح درويش، فضلاً عن الكتب التي صدرت عنهم، وتناولت شهادات في حقهم. في السياق نفسه جاء تكريم والي ولاية وهران للنجمة المصرية ليلى علوي جديداً ومختلفاً عندما منحها، إضافة إلى درع الولاية، «برنوس» جزائري طُرز بخيوط من ذهب. وحيال هذه الحفاوة الملحوظة وجهت ليلى علوي أسمى آيات الشكر للشعب الجزائري، وأبدت سعادة بالغة بالتكريم في الدورة التي تشهد تكريم فاتن حمامة وصديقها الناقد قصي صالح درويش، وسجلت امتنانها للسينما التي كانت سبباً في التفاف الجمهور حولها، وعظمت دورها. كانت مفاجأة، بل صدمة لي، أن أعلم من خلال الكلمة التي ألقاها ولي ولاية وهران أن النجمة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينال، التي ولدت بضاحية سيدي بوسعيد في تونس، وحصدت نجومية واسعة في حقبة الستينيات، تتواجد بيننا في حفل الافتتاح، ولم أجد تفسيراً لتجاهل وجودها من دون أن يستثمر المهرجان إطلالتها على أوسع نطاق، ثم بررت ما جرى بأن إدارة المهرجان لم تشأ أن توجه الأنظار إلى النجمة الإيطالية حتى لا تسرق الكاميرا، والاهتمام، من النجوم العرب، نظراً إلى أن المهرجان يتوجه بالمقام الأول إلى الفيلم العربي ونجومه ومبدعيه. لكنني لم أقتنع بهذا التبرير! لم تنس إدارة مهرجان وهران أن الجزائر تحتفل بمرور أربعين عاماً على انتزاع المخرج الكبير محمد الأخضر حامينا للجائزة الكبرى «السعفة الذهبية» لمهرجان كان السينمائي عن فيلمه «وقائع سنين الجمر»، فاختارته كرئيس شرفي للدورة الثامنة، كذلك اختارت أحدث إبداعاته «غروب وظلال» للعرض في حفل الختام، وكرمت المخضرم أحمد راشدي بعرض أحدث أفلامه «لطفي»، الذي يحكي السيرة الذاتية لأحد أبطال ثورة التحرير، واختارت السينما التركية كضيف شرف للدورة، واستقرت على 38 فيلماً تمثل 17 دولة عربية للمشاركة في المسابقات الثلاثة (القصيرة، الوثائقية والطويلة). هنا ينبغي الإشارة إلى الأفلام المهمة التي نجحت إدارة المهرجان في إقناع أصحابها بعرضها للمرة الأولى في الجزائر مثل: «الزيارة» (تونس)، «الأم» (سورية)، «بتوقيت القاهرة» (مصر)، «ذيب» (الأردن)، «الدليل» و»راني ميت» (الجزائر)، «جوقة العميين» (المغرب)، «الوادي» (لبنان)، «عيون الحرامية» (فلسطين)، «من ألف إلى باء» (الإمارات)، بالإضافة إلى الفيلم اليمني «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة». وفي المقال المقبل، سنتعرض للأفلام القصيرة والوثائقية التي عُرضت في الدورة الثامنة مع التعليق على الأفلام الطويلة والقصيرة والوثائقية التي تستحق أن نتناولها بالنقد والتحليل. في المؤتمر الصحافي الذي عقده إبراهيم صديقي محافظ المهرجان قال «إن مهرجان هذا العام يُعقد وعالمنا العربي يمر بأحوال مختلفة ومتناقضة وبانعطافات تاريخية كبرى، ومن ثم يأتي المهرجان وبريق من الأمل يحاول أن يجد له متسعا في الفضاء العربي، ولأن السينما العربية قدرها أن ترافق هذا المشهد الكبير في حبه وكرهه في أمله ويأسه في تطلعاته وانكفائه، اخترنا لطبعتنا هذه عنوان «الواقع في دور البطولة»... ويا لها من بطولة!