تناولت في مقال أمس الأول، تحت هذا العنوان، من مسيرة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، محطات من تلك المسيرة التي تخطت الزمان والمكان اللذين نشأت فيهما، لتظل الأجيال ترويها جيلاً بعد جيل، ونستكمل في مقال اليوم بعض هذه المحطات، منذ أن باشر شؤون الحكم في حياة الملك فهد إثر مرضه في عام 1995، قبل تنصيبه ملكاً على البلاد في أغسطس 2005.

Ad

الشجاعة في اتخاذ القرار

وإذا كان يستحيل في الحيز الضيق للمقال الصحافي أن يحيط بكل مناقب هذه الشخصية الإنسانية الفذة، وبيان صفاتها وخصالها، فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فإن شجاعته بدت واضحة في سرعة اتخاذ القرار الذي ساند فيه شعب مصر في ثورته التصحيحية في 30 يونيو، ودعا فيه الملك الراحل كل دول مجلس التعاون الخليجي إلى هذه المساندة، والدعم المادي والمعنوي لمصر، غير عابئ بموقف الولايات المتحدة الأميركية الداعم لجماعة الإخوان والتحالف البراغماتي بينهما، وهو الموقف الذي شايع أميركا فيه الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي.

ضحايا الجوع في العالم

ومن المحطات الأخرى التي يتوقف المرء عندها ما قرره خادم الحرمين من مواجهة مشكلة العالم الأولى، وهي الجوع الذي يبلغ عدد ضحاياه أكثر من عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية وكندا والاتحاد الأوروبي، يموت منهم كل عام أكثر من عشرة ملايين نسمة، بسبب الجفاف من ناحية، والفيضانات من ناحية أخرى، وافتقاد الرعاية الصحية في المناطق العشوائية التي يعيشون فيها، أو في العراء حيث يفترسهم البرد والجوع والمرض، فوجه إسهامات المملكة إلى برنامج الغذاء العالمي.

ووفقا لإحصاءات الأمم المتحدة وغيرها من معاهد البحث العلمي والقياس فإن نصف سكان الكرة الأرضية من الفقراء، وإن المسؤولية الأولى عن فقرهم ترجع إلى الدول الاستعمارية، التي تركت هذه البلاد بعد استنزاف ثرواتها، دون أن تقيم البنى التحتية للبلاد التي احتلتها قرونا من الزمن، ودون أن تنشر التعليم أو تبني المستشفيات أو تقيم الطرق.

ومن هنا كانت دعوة الملك الراحل إلى استخدام الطاقة من أجل الفقراء في اجتماع جده للطاقة (يونيو 2008) لتفعيل إعلان قمة أوبك الثالثة في الرياض (نوفمبر2007)، باجتثاث فقر الطاقة من أجل الفقراء.

تأتى المملكة العربية السعودية في مقدمة دول العالم من حيث نسبة ما تقدمه من مساعدات إلى إجمالي الناتج الوطني، ففي حين تبلغ النسبة التي قررتها الأمم المتحدة للدول المانحة للمساعدات سبعة من عشرة في المئة من إجمالي دخلها فإن نسبة ما قدمته المملكة للدول النامية من مساعدات بلغت في بعض السنوات 4% من المتوسط السنوي لإجمالي الناتج الوطني، في حين أن نسبة المساعدات الخارجية لأكبر الدول الصناعية إلى ناتجها الوطني لا تصل إلى المستوى الذي تقدمه المملكة. وقد زادت تبرعات المملكة السعودية من 4 ملايين و245 ألف دولار عام 2002 إلى 30 مليونا و142 ألف دولار عام 2006، أي زادت سبع مرات لتعوض انخفاض المساعدات المادية التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية لبرنامج الغذاء العالمي، من مليار و174 مليونا و918 ألف دولار عام 2005 إلى932 مليونا و17 ألفاً و164 دولاراً عام 2006.

زلزال تسونامي

وقد خصصت المملكة 400 مليون دولار للمشاركة في إعادة إعمار المناطق التي دمرها زلزال تسونامي منها 250 مليون دولار على شكل قروض تنموية ميسرة لتمويل مشروعات إعادة الإعمار ومبلغ 150 مليون دولار لتوفير التمويل والضمان للصادرات السعودية لتلك الدول.

بالإضافة إلى ما قدمته المملكة للدول المتضررة من كارثه تسونامي والتي بلغت 30 مليون دولار من الدولة و100 مليون دولار تم جمعها للمنكوبين من حملة تبرعات شعبية في المملكة.

زلزال باكستان

كما كانت أول إسهامات خادم الحرمين الشريفين بعد شهرين من توليه منصبه، ملكا على البلاد مواجهة كارثة زلزال باكستان في أكتوبر 2005، والذي كان بقوة 7.6 درجات نتج عنه تدمير 600 ألف منزل وتشريد 500 ألف عائلة ووفاة أكثر من 73 ألف نسمة، وتدمير 4429 كيلومترا من الطرق، وفقدان البنية التحية لها؛ مما أثر على مستوى معيشة أكثر من 3 ملايين فرد، حيث اندثرت مدن وقرى بكاملها.

فكانت المملكة العربية السعودية هي أكبر المتبرعين في هذه الكارثة، حيث قدمت ثلث ما قدمه العالم الإسلامي من مساعدات قدرها 1.5 مليار دولار، نقدا وقروضا ميسرة.

وقد احتلت السعودية المرتبة الأولى بين 21 دولة دعمت عمليات الإغاثة العاجلة في باكستان، بعد تبرعات المرحلة الثانية، كما أنشأت المملكة مستشفى ميدانيا ساهم في علاج 120 ألف شخص، منهم 30 ألف طفل، كانوا يمثلون جزءا هائلا من ضحايا الكارثة، وأجرى المستشفى 900 عملية جراحية، لضحايا الكارثة، كما قامت المملكة بإقامة جسر جوي من 56 طائرة لنقل ثلاثة آلاف طن من المواد الغذائية ومئة ألف خيمة للمتضررين من هذا الزلزال، وتبرع خادم الحرمين الشريفين أثناء زيارته لباكستان بمستشفى ميداني متنقل بقيمة مليون ومئتي ألف دولار.

المساعدات لدول إفريقيا

وكانت إسهامات المملكة في القرن الإفريقي من كينيا إلى رواندا إلى الصومال إلى تنزانيا وجيبوتي وإثيوبيا شهادة على أن الإسلام هو دين التسامح، فعلى سبيل المثال، فإن المسلمين لم يزد عدهم في كينيا ذات الأغلبية المسيحية عن 6% من عدد السكان و14% في رواندا.

كما قرر خادم الحرمين الشريفين قبل نهاية عام 2006 مساعدات لتأمين المواد الغذائية للمتضررين من الكوارث الطبيعية في السنغال وموريتانيا والنيجر ومالي وغانا وسيراليون وليبيريا وغينيا.

وإني على يقين بأن جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود سوف يتابع مسيرة سلفه، لأن سياسة المملكة، لا ينفرد بها فرد، وأن العطاء أسلوب ومنهج حياة للمملكة.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.