تحاول الروائية منى الشيمي نسيان همومها ومرارة فقدها ابنها بالكتابة حيث دونت أيامه الأخيرة في روايتها «بحجم حبة عنب» التي حصلت عنها على جائزة ساويرس للرواية مناصفة، بالإضافة إلى وصول العمل نفسه إلى قائمة «البوكر» الطويلة. أكدت الشيمي أنها بحثت كثيراً داخلها عن موهبة ولم تجد غير الكتابة، مشيرة إلى أنها تعاني ضغوط المرأة الصعيدية وقهرها، إذ ينظر إليها مجتمعها بنظرة شك وهي متهمة من دون أسباب.

Ad

هل كنت تتوقعين حصول «بحجم حبة عنب» على جائزة «ساويرس» والوصول إلى قائمة «البوكر» الطويلة؟

كنت أتوقع الفوز بإحدى جوائز ساويرس لأنها تقتصر على المبدعين المصريين. لكن بالنسبة إلى «البوكر» فهي متسعة المجال وتشتمل أبناء جميع الدول العربية لذلك لم أتوقع الوصول إلى قائمتها الطويلة هذه المرة.

هل ترين أن الكتابة عن الذات كما في روايتك الأخيرة نوع من النرجسية، وهل يجيد المبدع أكثر عندما يتناول سيرته الذاتية بالكتابة؟

لديَّ ثلاث روايات لم أكتبها عن ذاتي أو حياتي الشخصية قبل {بحجم حبة عنب}. لكن وفاة ابني والمرارة التي شعرت بها حينها دفعتني إلى كتابة روايتي الأخيرة. عشت حياة صعبة لمدة عامين جعلتني أكثر جرأة. الكاتب بطبيعته نرجسي سواء كتب عن نفسه أو من خياله، وأعتقد أنني لست نرجسية بقدر ما أنا براغماتية، أحاول كتابة عمل يخلده التاريخ في المكتبة العربية.

هل قسوة الأيام والتجارب الحياتية المؤلمة هي دافعك الوحيد إلى الكتابة والإبداع؟

أنا حكاءة بطبعي أستلهم مقولة ماركيز {عشت لأروي} ومن منطلقها يظهر دافعي إلى الكتابة، بالإضافة إلى أنني لم أجد لنفسي هواية أخرى وقد جربت كثيراً وحاولت مراراً أن أكون شيئاً آخر لكنني فشلت ولم أجد عن الكتابة بديلاً. حاولت تعلم التطريز، الحياكة، إعداد أطباق مميزة من الطعام، توغلت في كل هواية على حدة ولكنني فشلت فيها كلها. وفي الوقت نفسه تلبستني غواية الكتابة ووجدت نفسي مدفوعة إليها من دون تدخل مني.

كيف استطعت أن تكتبي بجرأة شديدة وحرية تتنافى مع مجتمعك وعادات وتقاليد المحيطين بك.. ألا تعتبرين ذلك تناقضاً وخروجاً عن المألوف؟

أكتب الفكرة بجرأة، لكنني لا أتناول أي فضائحية جنسية في أعمالي وهذا رأي كثير من النقاد الذين تابعوا كتاباتي، فأنا لا أمانع الكتابة عن الجنس الواضح لا الفاضح، خصوصاً أن أهلي عارضوني وزوجي كذلك وطلب مني أن أوقع بالأحرف الأولى من اسمي، بالإضافة إلى المجتمع الذي نظر إلي نظرة شك كبيرة لأنني أنتمي إلى الجنوب وتحديداً محافظة قنا، حيث المرأة متهمة من دون أسباب فما بالك بكاتبة وروائية ومبدعة، ناهيك بأن الرجل الصعيدي لا يقبل تفوق المرأة عليه. واستمرت هذه الحال عشر سنوات.

هل للهجة الصعيدية دور في خصوبة لغتك الأدبية وقوة السرد لديكِ؟

كنت في البداية أخطئ في النحو والإملاء، خصوصاً أنني لم أدرس اللغة العربية في الجامعة، وكانت عقبة شديدة بالنسبة إلي تخطيتها بالعودة إلى حفظ نصوص القرآن الكريم، ثم أغاني أم كلثوم، وبالتمرس أصبحت لدي حساسية باللغة.

تعملين كمدرسة للتاريخ في إحدى مدارس محافظة قنا. كيف تستطعين التعامل مع الروتين والبيروقراطية اللتين تعانيهما الدواوين الحكومية، لا سيما أنك مبدعة ومرهفة الحس؟

أمارس عملي كمدرسة بإبداع وأجزم أنني لست مدرسة عادية. أنسى أنني معلمة بمجرد خروجي من باب المدرسة، إضافة إلى أن شخصية الكاتبة تتسرب إلى داخل المدرسة، فإذا كانت لدي فكرة أريد تدوينها أفكر فيها طوال الوقت حتى وأنا أشرح الدرس، وأكتبها في مخيلتي ولا أجلس إلى الورق إلا لتدوينها.

لأول مرة خمس نساء على القائمة الطويلة للبوكر، بالإضافة إلى حصول أكثر من مبدعة على جائزة ساويرس. هل تعتبرين ذلك دليل وجود نهضة ثقافية حقيقية؟

أظنّ أن وجود المرأة بكثافة في المسابقات هذا العام يعود إلى دور المسابقات في الحياة الثقافية، وليس بسبب ظهور كاتبات جديدات مبدعات. هن موجودات منذ البداية، لدينا طابور طويل من الكاتبات مثل لطيفة الزيات ونورا أمين ومي التلمساني وسحر الموجي ورضوى عاشور وسلوى بكر... أجيال متعاقبة من المبدعات. أما ظهورهن المكثف هذه الأيام فبسبب دخولهن المسابقات الأدبية التي أعادت طرح أسمائهن من جديد على الساحة، فروايتي {بحجم حبة عنب} موجودة في المكتبات منذ عام ولكن سماع القراء باسمي كان بسبب فوزي بجائزة ساويرس وتصعيدي إلى قائمة {البوكر} الطويلة، ومن ثم نبهت بعض النقاد والصحافيين والإعلاميين إلي.

هل يحتاج النقاد والقراء إلى أن يأخذ المبدع جائزة حتى يلتفتوا إلى إنتاجه؟

ليس تماماً، ثمة جوائز تسترق الإعلام وتضع الكاتب في ساحة الضوء، فالإعلام يرفع المبدع عالياً إذا حصل على جائزة أو إذا ظهر في برنامج تلفزيوني، مقياس النجاح ما زال مادياً ومثيراً للشفقة، ليس في مجتمعي الجنوبي فقط، بل في مصر كلها. لكن على الجانب الآخر قد تجد كاتباً يفوز بمسابقة أدبية يسكن في مكان بعيد عن الأضواء، وجودة العمل فحسب هي التي تصل به إلى الإعلام والصحافة، وتنبه النقاد إلى عمله.

هل الحصول على الجوائز هو المؤشر الوحيد على قدرة الكاتب على الإبداع أم ثمة مؤشرات أخرى، وكيف يمكن تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة المبدعة؟

لا أظن ذلك. ثمة كتّاب لا يشاركون في المسابقات، وثمة مبدعات كثيرات في الصعيد المصري لا يشاركن في الحياة الثقافية ولا تسلط عليهن الأضواء. الأزمة لدينا في مركزية الإعلام والنقد، فالأضواء كلها مسلطة على العاصمة ومن يعيش خارجها يبقى خارج الحسابات، بالإضافة إلى شللية الإعلام المقروء والمرئي. في الجنوب مبدعون رائعون، يكتبون في صمت. ويجب على المبدعات أن يعملن بدأب وجدية لإثبات أن الكاتبات المصريات جادات.

ما هو رد فعلك عندما تقرئين نقداً لأحد أعمالك وهل تعتبرين النقد وسيطاً أدبياً مكملاً؟

أرفض التعميم. ثمة نقاد يستفيد منهم الكاتب بشكل كبير، والمبدع الذي لا يقرأ النقد الموضوعي لا يرى إلا انعكاس صورته. والنقد كالإبداع أيضاً، يوفق الناقد أحياناً ويخفق أحياناً أخرى. في بعض الأوقات يرضى الكاتب عما كتبه الناقد كما يرضى الناقد عما كتبه الكاتب، أو العكس.