عاش لبنان منذ مساء امس الأول اجواء من التوتر الطائفي على ضوء الانقسام السياسي داخل الحكومة بعد أن قام تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف بـ «داعش» بقطع رأس جندي لبنان ثان من المختطفين لديه ينتمي الى الطائفة الشيعية.
ودخلت مسألة خطف العسكريين مرحلة جديدة، وسادت حال من الغضب والغليان في الشارع ترجمت في قطع عدد من الطرق اللبنانية بالاطارات المحترقة كما ظهرت نقمة شعبية، خصوصاً لدى أهالي المخطوفين، على الادارة السياسية الرسمية لملف التفاوض.وعقد اجتماع عاجل للجنة الوزارية امس في منزل رئيس الحكومة تمّام سلام. وتداول الاجتماع آخر التطورات على اثر قتل مدلج، وتوجه المجتمعون بالتعازي الى والديه والجيش وجميع اللبنانيين، وثمنوا الموقف الوطني الذي صدر عن والديه وعائلته، وقرروا متابعة التواصل مع القيادات السياسية والامنية بهدف معالجة ملف العسكريين المخطوفين.إلى ذلك، ذكرت مصادر متابعة أنه «تبيّن من خلال مجموعة الاتصالات التي أجريت منذ مساء أمس الأول، أن الأفق مسدود أمام الإجراءات والخطوات التي يمكن أن تقدم عليها الحكومة، التي وجدت نفسها في مأزق وحال إرباك بعد فشل الوساطة القطرية وسقوط الضمانة التي سبق أن حصل عليها المفاوض القطري من تنظيم «داعش» بعدم الإقدام على ذبح أيّ عسكري آخر، وبعد الحديث عن نقاط قوّة قد تستخدمها الحكومة كخيارات محتملة، ومنها ممارسة الضغط على الخاطفين لجهة تضييق الخناق على النازحين السوريين وتنفيذ أحكام الإعدام بعدد من الموقوفين في سجن رومية، الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية مبرمة».العائلةفي السياق، أكّدت عائلة الشهيد مدلج في بيان مساء أمس الاول أن خيارها «هو لبنان بلد العيش المشترك بين كل مكوناته»، داعية إلى «درء الفتنة وعدم السماح للتكفيريين بالتغلغل إلى النسيج الوطني، ومنعهم من تحقيق أهدافهم». وقالت العائلة: «خيارنا لا يزال كما هو، لبنان بلد العيش المشترك بين كل مكوناته. وان الفعل الارهابي الذي أدى إلى استشهاد ابننا عباس هو جريمة بحق كل اللبنانيين، سنة وشيعة ومسيحيين ودروزاً، ونحن ندعو إلى درء الفتنة وعدم السماح للتكفيريين بالتغلغل إلى نسيجنا الوطني ومنعهم من تحقيق أهدافهم التقسيمية والفتنوية. ونعلن أن شهيدنا هو شهيد لبنان، ولنا ملء الثقة بالجيش اللبناني الوطني. وندعو إلى التصرف بشكل عاجل من أجل وضع حد لمأساة العسكريين الباقين، كما ندعو جميع أهلنا إلى ضبط النفس والتصرف بشكل يليق بالشهداء الأبطال».كما أشار والد مدلج أمس إلى أن «علي السيد شهيد لبنان، وعباس مدلج شهيد لبنان»، مشيراً إلى استعداده لأن يكون وأولاده في الجبهة الأمامية لمحاربة هذه الجماعات الإرهابية.وقالت والدة مدلج أمس إنه «اذا كانت دماؤك فداء للوطن ولحقن دماء زملائك المختطفين وسبباً لعودتهم الينا سالمين، فقد رفعت رأسي يا بني، فأنت شهيد اهل البيت يا مظلوم، لقد دافعت عن وطنك والوطن لم يدافع عنك، فنرفع رأسنا بك».جنبلاطفي موازاة ذلك، جدد رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، خلال جولة قام بها في قرى الشحار أمس، التأكيد أنه «مع التفاوض عبر الدول في ملف العسكريين المخطوفين، وضدّ المقايضة»، لافتاً إلى «ضرورة الإسراع في محاكمة الإسلاميين».ودعا رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الجميع إلى «التصرف بمسؤولية وطنية وشرعية»، محذرا من «خطورة إطلاق التصريحات غير المسؤولة وبثها عبر وسائل الإعلام».وأكد أن «هؤلاء التكفيريين وبخلاف كل ما يصورونه ويحكى عنهم وهؤلاء ليسوا أسطورة ولا محترفي قتال وليسوا شجعانا بل إنهم مجرد وحوش تملك أنفساً متوحشة تقتل كل ما غيرهم، والتعاطي الغبي مع هؤلاء يذكرنا بتعاطي أنظمتنا العربية مع إسرائيل منذ نشأة الكيان الصهيوني، حيث ان أنظمتنا لم تكن تملك إرادة المواجهة والتحدي والصمود والمقاومة، ولذا صوروا العدو الصهيوني على أنه بعبع وأسطورة وأن جيشه لا يقهر الى أن فضحتهم المقاومة وأسقطت أسطورة العدو الإسرائيلي التي زرعتها الأنظمة عبر إعلامها ومناهجها التربوية في نفوس أجيالنا. هناك من يكرِر اليوم النغمة نفسها مع هؤلاء التكفيريين الذين هزمناهم في القصير ويبرود وعسال الورد وفي كل منطقة القلمون. هؤلاء ليسوا إلا وحوشا مروضة عندما تمكنت تمردت حتى على مروضيها وعندما وصل هؤلاء إلى الموصل ونينوى فرح الذين كانوا يروضونهم ويمولونهم ويسلحونهم لكن هؤلاء عندما استشعروا أنهم أمسكوا بالأرض أعلنوا مشروعهم السياسي ودولة الخلافة».واضاف أن «حزب الله اتخذ من جهته قراره بالا يترك لهؤلاء فرصة من أجل التحكم في مصير البلد، وكما هزمنا الإسرائيلي سنهزم هؤلاء ونحن واثقون بنصر الله لأن هؤلاء أعداء الله والإنسانية والمجتمعات وأعداء الدولة وهم أعداء الحياة».إعلاميان لبنانيان يدعوان إلى خطف عرب واجتياح عرساللم يقتصر الاحتجاج الشعبي والغضب والاستنكار اللبناني على عملية ذبح العسكري اللبناني عباس مدلج على الشارع وقطع الطرقات، بل كان لمواقع التواصل الاجتماعي حصتها أيضاً في التعبير عن سخطها حيال طريقة التعاطي مع ملف العسكريين المختطفين من قبل تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» في عرسال. وكان لأهل الإعلام والصحافة أيضاً آراؤهم الخاصة، ولعل أبرز هذه المواقف التصريح «الناري» الذي أطلقه المخرج شربل خليل، حيث وجه رسالة إلى أهل الشهيد مدلج، داعياً إياهم إلى خطف أتراك وقطريين وسعوديين في لبنان، وبالتالي التفاوض مع «داعش» عليهم.كما «غرد» الإعلامي غسان جواد (المقرب من قوى «8 آذار») أن «الحل يكون باجتياح عرسال ومخيماتها وأخذ أهالي هؤلاء الإرهابيين رهائن إلى حين إطلاق سراح الجنود المختطفين».«حزب الله»: ليس من شيمنا الاعتداء على نازحينقال رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله»، الشيخ محمد يزبك أمس خلال تقديم العزاء في الجندي اللبناني الذي ذبحه «داعش» عباس مدلج، إنه «إذا كان الدواعش ومن معهم يخططون من أجل فتنة في هذا البلد فنحن سنطفئ نارها بموقف عزيز».وأضاف «ليس من شيمنا الاعتداء على النازحين السوريين في لبنان»، معتبراً أن حزب الله «ليس عاجزاً عن مواجهة من يظلمنا، لننتقم ممن ليس له حول ولا قوة». واعتبر يزبك أن الاعتداء على النازحين السوريين في لبنان «هو سبيل لجلب الفتنة إلى هذا الوطن». وكان تنظيم «داعش» أصدر بياناً مساء أمس الأول وجهه إلى «حزب الله والموالين له» يحذرهم من المساس بأي نازح سوري، ويؤكد أنه سيقوم بإعدام الجنود المختطفين لديه من الطائفة الشيعية جميعهم إذا تم الاعتداء على النازحين.
دوليات
لبنان: توتر طائفي وضغوط على الحكومة
08-09-2014