عندما يحاسبنا الأبناء

نشر في 17-11-2014
آخر تحديث 17-11-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم عندما نربي أولادنا على الانفتاح في التعامل فيما بيننا وبينهم، وعلى الحرية التامة في إبداء الرأي والنقد والتسامح في تقبل كل ما يطرحونه من آراء تنتقد تصرفاتنا أو آراءنا التي قد تختلف معهم أو لا تصلح لزمنهم، حينها يجب علينا أن نستمع برحابة صدر وبتفهم كامل لوجهة النظر التي يطرحون بها نقدهم لنا.

ومن هذا المنظار تعاملت مع كل ما طرحه ابني من نقد ساخر حاد لبعض طرقي في تربيتهم وأسلوب تعاملي معهم، وكان في داخلي صراع في كيفية الرد على ما يجادلني به، فمن ناحية هناك شيء من الصحة فيما يقوله، لكن طريقته وقدرته النقدية الصارمة التي تصوغ ما يطرحه من نقد في صورة ساخرة مضحكة تجعلني أضحك من المبالغة في تكبير الحدث ووضعه تحت عدسة تضخمه عشرات المرات حتى يتحول إلى مواقف كوميديا سوداء تضحكني وتغضبني معاً، وتضعني في مرآته التي نصبها لي لأري نفسي فيها مضروبة في المبالغات المبني أساسها على شيء مني.

وسأتناول واحدة من محاسباته لي لأنها تبحث في الكيفية التي نربي بها أبناءنا، فهو يحتج على السماح لأولادي بتناول الأغذية التي تسمى "الفاست فود" مثل أنواع  البرغرز وغيرها من أطعمة ثبتت ضررها على الصحة، وإن كانت في ذاك الوقت لم نكتشف بعد ضررها، وفي الحقيقة كان يصعب علي المقاطعة والرفض، فقد كانت مثل الوباء المستشري في الكويت، ففي الحي الواحد الصغير يوجد لها فرع أو اثنان، ولها مغريات وسلطة على الأطفال تحطم أي تربية كانت أو ممانعة للأهل، فهي تقدم الإعلانات المغرية سواء عن طريق التلفزيون، او الجرائد او الملصقات على أسوار المدارس والمنازل، عدا عن هدايا لعب الأطفال والتوصيل المجاني وإرسال العروض عن طريق الرسائل الهاتفية، فأي معارضة أو رفض ستثير لدى الطفل غضب عارم وشعور بالحزن لأن أهله ليسوا مثل أهل أقرانه.

نوعية الغذاء هي أيضا ثقافة عصر ومجتمع، تتغير بحسب ما يدخل عليها من انفتاح وتتداخل مع عادات المجتمعات التي انفتحت عليها، فمثلا الطعام في زمن جيلي كان كله يؤكل طازجا، أي أن رب الأسرة كان يأتي بالسمك وهو غذاء أهل الكويت الرئيسي في ذاك الوقت أو اللحم يوما بيوم، ولا يجمد في الفريزر، ولا يؤكل في اليوم التالي، كانت الأطعمة تؤكل طازجة كلها في يومها ولا يوضع في الثلاجة إلا اللبن والعصائر، لكن عندما أصبح جميع من في البيت يعمل خارجه، بدأت البيوت تخزن اللحوم والأسماك في الفريزرات، وهنا بدأت مرحلة المجمدات والمثلجات، حتى تسللت مرحلة عصر البرغرز والهوت دوق والكنتاكي والنجيت من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي التي انتشر فيها هذا الغذاء المطعم بالهرمونات المضرة بالصحة والتي تحتوي على منكهات تجعل من يتذوقها يُدمن عليها.

ومن هنا بات من الصعب منعها وحجبها عن أولادنا، وهي شركات عملاقة تملك كل أساليب الترغيب والتحايل للوصول إلى جيب مستهلكها.

الآن في هذا العصر تدخل منظومة ثقافية جديدة تدعو وترغب وتروج لشكل الطعام الصحي الذي بدأ يغزو المجتمعات بشكل هجوم مكثف من كل الشركات المنتجة والمروجة لهذه المنتجات التي يدعون أنها الأفضل والأصح لصحة الإنسان، من بعد ما دمرتها الوجبات السريعة، فهذه جاءت لتصححها.

هذه الشركات بدأت تستقطب جيل المراهقين والشباب الذين يحلمون بأجساد صحية رشيقة مبنية بالعضلات التي يعتمد بناؤها على الأنظمة الغذائية الصحية التي يروج لها الآن.

وأغلب الشباب الآن اعتمد في غذائه عليها ومنهم ابني الذي أصبح ينتقد كل طرق التغذية السابقة التي لا تبني العضلات وتسيء إلى الصحة بشكل عام.

وهذه التغذية الجديدة المعتمدة على البروتين والخضار والزيوت وأشياء أخرى، محتاجه إلى مرور وقت عليها لتظهر نتائجها ونتمكن من الحكم عليها ومدى صحتها وصدق ما يروج لها، فلابد أن يكون هناك نتائج سلبية لإلغاء الكربوهيدرات من الطعام وكل الأطعمة البيضاء، وزيادة الاستهلاك البروتيني سواء الطبيعي أو المصنع.

وربما سيأتي اليوم الذي ستنكشف فيه مساوئ هذه التغذية، ويكون الغذاء وقتها في كبسولات أو حبوب، وسيقف فيه حفيدي المستقبلي ليجادل والده عن سوء التغذية التي رباه عليها.

back to top