لم يبقَ لمنطقة الشرق الأوسط من أملٍ، وسط اقتتالاتها العبثية المجنونة، إلا وصل الأدب والفن. فالناظر إلى حال شعوب ومدن أقطار الوطن العربي، تأكله الحسرة والحيرة، وهو يرى وحشية الإنسان التي طالت البشر والحجر، ولم تتوانَ عن تدمير وإحراق كل شيء يعترض طريق عنفها الأسود. من هنا يمكن النظر إلى مبادرة "منتدى الفن العالمي-Global Art Forum" بمحاولة فهم والوقوف أمام أثر التكنولوجيا على حياتنا المعاصرة وطرق تفكيرنا، بوصفها بارقة أمل، يستنشق من خلالها المواطن العربي شيئاً من رائحة الأمل لفهم ما يدور حوله، ويعيد الحلم بحياة عادية، مجرد حياة بسيطة دون اقتتال دموي يومي، لأبناء هذه المنطقة.

Ad

كعادتها، تضج بروح الفن والوصل مع الآخر، شرّعت "دار الآثار الإسلامية" أبوابها الرحبة عبر مشاركاتها في أنشطة "منتدى الفن العالمي" في دورته التاسعة. وبما يؤكد على سبق مبادرة الهيئات الأهلية للتعاون الثقافي والفني على مستوى الدول، وإتاحة الفرصة لأبناء المنطقة للتمتع بكنوز الفن والثقافة. ولابد من وقفة تقدير جادة للنظر إلى هذه الشراكة في الفعل الفني والثقافي، بوصفها أقصر وأنجع الطرق إلى التواصل العربي الأجمل، حيث لغة الفن الموحية، وحيث مرامي الأدب القريبة والبعيدة.

"الكويت كانت منارة الفنون والثقافة لعموم منطقة الخليج العربي"، بهذه الكلمات أكد الشيخ سلطان سعود القاسمي، مدير منتدى الفن العالمي، عن سعادته بوجوده على أرض الكويت. وإذا كانت أنشطة المنتدى تدور حول تأثير التكنولوجيا على طرق عيش وتفكير الإنسان، فإن انتقال منتدى الفن من دبي إلى الكويت يُعد مبادرة تُحسب للمنتدى، خاصة أنه للمرة الأولى يفتتح المنتدى أعماله بجلسة حوار باللغة العربية، باستضافة الدكتور سليمان العسكري للحديث حول مسيرة مجلة "العربي" ودلالة حضورها التاريخي الخليجي والعربي ووصلها لقراء العربية، أينما كانوا، حول مائدة الفكر والفن والأدب، والأثر الذي خلقته في نفوس أجيال كثيرة من قرائها.

دار الآثار الإسلامية، ومنتدى الفن العالمي، ومنصة الفن المعاصر، إضافة إلى علاقتهم الحميمة بالمبدع والمفكّر والمثقف العربي، يبدو جلياً تواصل كل منهم مع شرائح جمهور غير عربي، ومؤكد أن وجود الآخر، وانكشافه على تاريخ وفنون وثقافات أبناء هذه المنطقة، يشكّل الجسر الأهم لنقل الثقافة العربية إلى آفاق أرحب، وتقديم وجه حضاري مشرق للإنسان العربي، يخالف ما يقدمه الإعلام، على مدار الساعة، بتوحشه وتعطشه للدماء.

العالم يعيش عصر "القرية الكونية - Global Village"، ما عاد هذا شعاراً يتردد دون معنى أو بتصور خيالي، لكنه أصبح واقعاً حياتياً ملموساً. وما حيوات مواقع شبكات الإنترنت، وعوالم شبكات التواصل الاجتماعي، إلا ترجمة حقيقية لهذا الشعار. ومن هذا المنطق فإن محاولة فهم تأثير التكنولوجيا على حياة وتفكير الإنسان في منطقتنا العربية، هو مدخل مهم يحاكي اللحظة الإنسانية التي نعيش، ويُحسب لمنتدى الفن العالمي، اهتمامه بهذا الموضوع، واشتغاله على الحفر به عبر الفن والكلمة. وهذا بدوره يتسق تماماً مع اختيار أعمال الفنان الكويتي الإنساني النزعة سامي محمد، لتكون حاضرة ضمن أعمال المنتدى، كون هذه الأعمال وصلت إلى المتلقي العربي والعالمي حاملة وجع الإنسان وانسحاقه، ومعبرة بصدق عن مقاومته وعشقه للحرية.

المؤرخ للحركة الفنية في الكويت، وتحديداً الفن التشكيلي المعاصر، لا يمكنه إلا أن يتوقف أمام إبداع الفنان الكويتي سامي محمد. لذا فإن احتفاء "منصة الفن المعاصر - Contemporary Art Platform" أو ما يُعرف بغاليري "كاب" بمعرض استعادي للفنان، هو في الصلب من الاحتفال بالإبداع الإنساني لأبناء هذه المنطقة، وكيف يُعبّر الفنان عن معاناة الإنسان وإصراره على التحدي حباً وعشقاً للحياة والحلم.