المؤكد أن السينما المصرية عرفت منذ عقود أفلاماً حاولت منافسة السينما الأميركية والأوروبية، تجارب اختلفت عن مثيلاتها من أفلام الحركة والكوميديا، وناقشت أموراً غرائبية وتناولت قصصاً شغلت بال المجتمع المصري كالمس الشيطاني والجرائم الغامضة والقصور المهجورة، من بينها على سبيل المثال {سفير جهنم} الذي عُرض عام 1945، وتولى بطولته يوسف وهبي. ينتهي الفيلم بطريقة {الكابوس}، مشيراً إلى أن أحداثه كافة تكمن في العقل الباطن، وهي دعوة للمشاهد بأن يرضى بالنصيب، كي لا يصير عبد الشيطان.

Ad

أما {التعويذة} فعُرض عام 1987، من بطولة محمود ياسين. يحكي عن عالم الجن من خلال عائلة مصرية تعيش في بيت قديم منعزل يسكنه الجن، بينما عُرض {الإنس والجن} في منتصف الثمانينيات وأدى بطولته كل من عادل إمام ويسرا وأثارت أحداثه ضجة كبيرة عند عرضه في الثمانينيات، لأنه يتطرق إلى قصص زواج الجن والإنس.

{استغاثة من العالم الآخر} عُرض بدوره عام 1984، من إخراج محمد حسيب، وكان أولى محاولات الخروج من ثيمة {الجن}. ويتطرَّق إلى عالم الإدراك الفائق للحواس، ولكنه  يدور في جو رعب وكوابيس وذعر.

أما أحد أحدث تجارب الرعب في هذا المجال فهو فيلم {وردة}. بدأ عرضه منذ أيام قليلة، ويدور حول العلاقة بين الإنس وبين الجن من خلال أحداث تقع في قرية مصرية.

يرى مخرجه هادي الباجوري أن الأفلام المصرية التي تعتمد على {الفزع} أو الرعب قليلة للغاية، وهو ما شجعه على تناول الموضوع في فيلمه الأخير {وردة} وأن يفتح آفاقاً جديدة في السوق، مضيفا لـ{الجريدة} أن إحجام القيمين على صناعة السينما في مصر لتقديم مثل هذه الأعمال هو ما حمسه لتقديمه، معترفاً بأن امتلاكه شركة {إنتاج خاصة} ساعده على ذلك كثيراً، فيما يشكل هذا الأمر أكبر عقبة أمام الآخرين في طريق تقديمهم مضامين سينمائية مختلفة.

وهكذا برَّر الباجوري تقديمه أحد أفلام الرعب بأنه تحليق بعيداً عن السائد والمتداول، وهو أمر إيجابي بالتأكيد، ومطلوب أن تعرض صالات السينما أفلام الكوميديا والتشويق والرعب.

من جانبه، يرى الناقد الفني طارق الشناوي أن التجارب السينمائية في مصر والتي تصنف بالرعب {معدودة للغاية}، بتعبير أدق {ثيمة الأفلام المصرية عن العالم السفلي} محدودة مقارنة بالسينما الأميركية التي تعد مرجعاً في هذا النوع، وتعتمد على فكرة الأشباح والوحوش ومصاصي الدماء، وكلها حبكات لا تتواءم وثقافتنا ولا يتقبلها المشاهد المصري .

وأشار الشناوي إلى أن الجمهور أصبح اليوم على درجة كبيرة من الوعي، وثمة شريحة ليست بقليلة تسعى دائماً وراء أفلام الرعب والبحث وراء المجهول والظواهر التي تنتمي إلى ما وراء الطبيعة، مشيراً إلى أن مصر لديها المزيد من الوقت لنتمكن من القول بأننا أمام تجربة مكتملة لفيلم يقارن بمثيله في مجال الرعب في الأفلام العالمية، مؤكداً أن المشكلة لا تكمن في غياب الجمهور، وإنما في إجادة العمل ذاته واحتوائه على {جرعة رعب} في قالب سينمائي متقن.

واختتم الشناوي حديثه بأن على القيمين على آخر الأعمال التي صنَّفت نفسها كرعب الانتباه إلى موعد العرض، فتلك النوعية من الأفلام يجب أن يصاحبها اهتمام خاص بتفاصيل صغيرة حولها قادرة على إنجاح الفيلم، كالدعاية وشكل الملصق، علاوة على موعد طرحه والذي جاء غير موفق لتزامنه مع {مهرجان القاهرة السينمائي}، ما أفقده رصيداً من الأضواء كان من الممكن أن تسلط عليه.

هاني حمدي مخرج إحدى تجارب أفلام الرعب {الدساس} قال إنه يتنبأ بمستقبل واعد لهذا اللون في مصر، وأن الصعوبات التي تواجه هذه النوعية من الأفلام اليوم هي عدم إتاحة {دور عرض} كافية مقارنة بالأفلام الكوميديا أو الحركة، اعتقاداً من القيمين على الأمر أن تلك الأفلام ستفشل مسبقاً ويغيب عنها الجمهور، معتبراً أن طرح أفلام الرعب راهناً له مردود {إيجابي} وتتمثَّل أكبر مكتسباته في تحقيق {التنوع} في ما نقدمه كسينمائيين للجمهور.

وأضاف حمدي: {سننجح في تقديم فيلم رعب بشكل لائق حينما نملك الإمكانات الضخمة من مؤثرات بصرية وسمعية، وخبراء في فن الماكياج على مستوى عال، وكلها أمور لا علاقة لها بـ{الثيمة} أو فكرة الفيلم، كما قال، مطالباً بإتاحة مزيد من دور العرض لأفلام من هذه النوعية، مبدياً تفاؤله بما حققه فيلم {وردة} حتى الآن.

الناقدة الفنية ماجدة خيرالله هاجمت التجارب المصرية المتعلقة بأفلام الرعب واصفة إياها بـ{الساذجة} التي لم تخرج عن ثوب {التخويف بالعالم السفلي}، مشيرةً إلى أن الأزمة تكمن في غياب الإبداع في الكتابة والإخراج، مشيرة إلى أن الرقابة تمثّل أحد عوامل فشل تلك النوعية من الأفلام نظراً إلى عدم تفهمها طبيعتها ووضع الكثير من القيود أمامها.

وأضافت خيرالله أن حملة {وردة} الدعائية أمر إيجابي، ووصول الفيلم إلى دول خليجية أمر يُحسب له، مطالبة القيمين على صناعة السينما بتطوير أفكارهم في هذا المجال والتعامل معها بطرق وآليات تقنية وإخراجية حديثة.