{المقر الرئاسي}... أجواء جدية في البيت الأبيض
يستعرض كتاب «المقر الرئاسي: داخل أروقة البيت الأبيض» The Residence: Inside the Private World of the White House للكاتبة كيت أندرسون براور تاريخاً ممتعاً عن موظفي البيت الأبيض المعاصرين، منذ عهد كينيدي حتى الزمن الحاضر، وهو يعجّ بالتفاصيل.
كان ليندون جونسون يهتمّ كثيراً بظروف استحمامه. اضطر أحد السباكين البائسين في البيت الأبيض إلى دخول المستشفى بسبب إصابته بانهيار عصبي بعد سنوات من محاولة إرضاء جونسون ومنحه حمّاماً يتماشى مع الخصائص التي حدّدها في ما يخص الحرارة وضغط المياه. أُنفقت آلاف الدولارات على هذا المشروع كله، ومع ذلك كان جونسون يصرّ على التجول بين القاعات ليلاً ليتأكد من إطفاء الأنوار في كل غرفة منعاً لهدر الكهرباء في مقر الرئاسة الرسمي.يُعتبر ليندون جونسون من أغرب الرؤساء المعاصرين الذين احتلوا المكتب البيضاوي. كان أسلوبه في الكلام مبتذلاً وكان «يجلس كالملك أمام أربع شاشات متلاحقة لمشاهدة نفسه على التلفزيون». كان يصدر الأوامر من الحمّام ويخلع ملابسه أمام مساعديه من دون تردد ويطلب من شخص آخر قصّ أظفاره وغسل قدميه وتدليكه يومياً. وبما أنه كان أستاذاً في إحدى المدارس الثانوية سابقاً، كان يضع العلامات لتقييم أداء موظفيه.
يبدو معظم المعلومات التي عرضتها كيت أندرسون براور في كتابها «المقر الرئاسي: داخل أروقة البيت الأبيض» سلسة وظريفة. من الممتع أن نشاهد نيكسون وهو يلعب البولينغ مع فرانكي بلير، أحد المسؤولين عن غسل الصحون في البيت الأبيض، حتى الساعة الثانية فجراً، أو أبناء كارتر وهم يدخنون الحشيش، أو جورج بوش الأب وهو يلعب لعبة حدوة الحصان مع رئيس الخدم وابنه الذي يطلق دعابات عن الخادمات، وأوباما وهو يلغي جميع مواعيده حين يعلم بانتهاء ملعب كرة السلة في البيت الأبيض.لكن يستعرض الكتاب أيضاً بعض الفضائح. منذ اغتيال كينيدي وحتى اليوم الذي أصبح فيه ريتشارد نيكسون الرئيس الأول، والوحيد حتى الآن، الذي يقدم استقالته، لطالما ساعد الموظفون أشهر عائلة في العالم خلال أصعب لحظاتها الخاصة. تبدو معلومات براور عن الجو السائد في البيت الأبيض، حين واجه الزوجان كلينتون مختلف محطات الإحراج العلني، لافتة جداً. كانت جولات الصراخ المليئة بالشتائم مظاهر شائعة هناك. يقال إن هيلاري قامت في إحدى المرات برمي كتاب أو مصباح على بيل، فجرحت رأسه وأجبرته على تقطيب جرحه.بعد فضيحة لوينسكي، اضطر بيل إلى النوم على الكنبة طوال ثلاثة أو أربعة أشهر. هكذا كان الوضع في البيت الأبيض: واجه رئيس الولايات المتحدة موقفاً محرجاً للغاية، ومثل أي رجل أميركي آخر يواجه المشاكل مع زوجته، اضطر هو أيضاً للنوم على الكنبة.هلع بين الزوجينعاش البيت الأبيض حالة دائمة من الهلع في عهد الزوجين كلينتون. كان عهدهما غير متوقع، فقد خرقا بروتوكولات البيت الأبيض في أحيان كثيرة. ما تعتبره براور {هوساً} بالحفاظ على السرية كان يثير استياء الموظفين. ويعتبرهما سكيب آلن الذي عمل كحاجب في البيت الأبيض لسنوات طويلة من {أكثر الأشخاص المصابين بجنون الارتياب}. على صعيد آخر، طُرد موظف عمل لفترة طويلة هناك واسمه كريس إيمري بسبب علاقته الوثيقة مع باربرا بوش. أنشأت عائلة كلينتون نظاماً هاتفياً جديداً حرصاً على عدم تجسس أحد على مكالماتها، ما أدى إلى إضعاف أمن الخطوط الهاتفية. كل رئيس يختلف عن غيره، ويتطلب التكيف مع أسلوب الرئيس الجديد هامشاً واسعاً من المرونة. كانت عائلات كينيدي وبوش وريغان ودودة جداً مع الموظفين، بينما تعاملت عائلات نيكسون وكلينتون وأوباما بطريقة أكثر احترافية مع موظفي البيت الأبيض.تبدأ التحضيرات لاستقبال العائلة الرئاسية الجديدة قبل 18 شهراً من انتقالها إلى البيت الأبيض، ما يعني أن الموظفين هناك بدأوا يفكرون بالرئيس الذي سيخلف أوباما منذ هذه اللحظة. قبل اجتماع اللجنة السياسية للحزب في أيوا، وقبل أن يعلن جميع المرشحين عن ترشّحهم رسمياً، وقبل الإدلاء بأول صوت انتخابي أو عقد أول مناظرة، يتحرى الموظفون عن رؤسائهم الجدد المحتملين.موظفون يلازمون مكانهمالرؤساء يأتون ويرحلون لكنّ موظفي البيت الأبيض يلازمون مكانهم. يرتفع عدد الموظفين الثابتين في البيت الأبيض وهم أشبه بشهود على التاريخ، بطريقتهم الخاصة.قد يكون العمل في المقر الرئاسي خياراً جاذباً، لكنه يترافق مع تحديات لا يستطيع أن يتحمّلها الكثيرون. من الشائع أن يعمل الموظفون هناك لستّ عشرة ساعة في اليوم. الرؤساء متطلبون جداً لكن يقبل الموظفون براتب أقل مما يمكن أن يتلقوا في مكان آخر بسبب الامتياز الذي يرافق خدمة الرئيس، وبالتالي خدمة وطنهم. يُعتبر المقر الرئاسي من الثوابت القليلة في عالم السياسة الذي يشهد تغيرات سريعة.تجيد براور إقامة توازن بين اهتمام القرّاء الطبيعي بمكائد العائلات الرئاسية وبحياة موظفي البيت الأبيض التي تُعتبر نادرة وأكثر إثارة للاهتمام على الأرجح. عندما قرأتُ هذا الكتاب، زاد احترامي لهؤلاء الرجال والنساء الذين يفخرون بعملهم، بغض النظر عن ألقابهم، وهم يخدمون أقوى السياسيين في العالم.يتقاسم جميع الأميركيين ذلك الفخر، ولا ينحصر هذا الشعور داخل ذلك المبنى الضخم بل يمتد إلى جميع أنحاء الوطن. البيت الأبيض هو بيت الولايات المتحدة. يسمح لنا كتاب براور بالدخول إلى ذلك العالم...