يحاول حزب «الدعوة»، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، استيعاب التغيير الذي شمل قواعد اللعبة منذ أن خرج الأمين العام للحزب نوري المالكي من مقر الحكومة شبه معزول في سبتمبر الماضي، وصار ذلك علامة على أوضح خسارة سياسية مني بها الحزب منذ سنوات.
وتصور قادة الحزب أنه سينحني للعاصفة مؤقتاً فحسب، وأن العبادي سيعيد المكاسب إلى وضعها الطبيعي، الذي استمر ثمانية أعوام في ولايتي المالكي الأولى والثانية (2006- 2014)، إلا أن خصوم «الدعوة» أبدوا صرامة شديدة في تدوين قواعد اللعبة الجديدة، وليس أمام رئيس الحكومة سوى الرضوخ باستثناء بعض المناورات.وشهد الأربعاء الماضي جلسة عاصفة في مجلس الوزراء قد تتكرر اليوم الثلاثاء بشأن النظام الداخلي للحكومة، وتضمن ثلاث نقاط يريد السنة والأكراد فرضها كجزء من الاتفاق السياسي وضماناته.ومن شأن هذه النقاط أن تطوي صفحة المالكي فعلياً، وتفترض النقطة الأولى أن الحكومة تصبح مستقيلة بمجرد استقالة نصف وزرائها «عدد وزراء الأكراد والسنة بالضبط»، بينما الثانية تبين أن القرارات الكبرى لن تمر إلا بـ60 في المئة من أصوات الوزراء، وتتولى الثالثة تحديد صوت واحد للوزير في كل الأحوال، منعاً لتكرار ما فعله المالكي سابقاً، حين عيّن حلفاءه وزراء لثلاث وزارات بالوكالة أحياناً، ومنحهم ثلاثة أصوات، وتمكن من هزيمة خصومه داخل الحكومة، بينما استقال أكثر من نصف الوزراء مرات عديدة دون أن تسقط كابينته، وقام بتمرير أخطر القرارات بالنصف زائداً واحداً.وليست القواعد الجديدة رغبة سنية وكردية مجردة، بل حصيلة نقاشات قديمة شارك فيها الشيعة المعارضون لسياسات المالكي، منذ صيف 2012 حين أوشكوا على سحب الثقة من حكومته، لذا فإن حزب «الدعوة» يقف وحيداً الآن أمام أغلبية وزارية ونيابية متمسكة بضرورة إقرار هذه اللوائح الداخلية الملزمة، التي ستتضمن للمرة الأولى أيضاً، منح النواب الثلاثة لرئيس الوزراء، صلاحيات حقيقية.ويحاول حزب رئيس الحكومة أن يلعب ورقة أخيرة داخل التحالف الشيعي، قائلاً بشكل خاص لتيار مقتدى الصدر وكتلة عمار الحكيم، إن إضعاف صلاحيات رئيس الحكومة، هو تقييد للشيعة بشكل عام لا لشخص العبادي وفريقه الحزبي فحسب، إلا أن الأحزاب الشيعية تدرك أنها الأكثر تضرراً من الانفراد في صناعة القرار خلال المرحلة السابقة، وأن التغيير لن يخضع للمساومات، خصوصاً أنها قدمت التزاماً سياسياً واضحاً بهذا المعنى، للأكراد والسنة، كإصلاحات ضرورية ستكون المدخل لإحياء التوافقات السياسية التي ماتت وتبددت إثرها قواعد الاستقرار الأمني، ما مهّد للانهيار الرهيب الذي يعصف بالبلاد منذ يونيو الماضي.لكن الأخطر في الموضوع أن إقرار هذا النظام الداخلي، قد يؤدي إلى انهيار حكومة العبادي فعلاً إذا تلكأت أكثر في حسم الخلاف النفطي مع أربيل، وتأخرت في تسليح المقاتلين السنة، الذين تطالب كتلتهم النيابية بأن يتحولوا إلى «جيش» مشابه للبيشمركة، يضمن أمن المحافظات السنية، فاستمرار العبادي في التردد بشأن هذه القضايا سيجعل الوزراء الأكراد والسنة قادرين على القيام بمناورة واسعة لاقتناص المكاسب، ويجعل باقي الشيعة أمام أسئلة صعبة، تجعلهم حائرين بين الخشية من استبداد العبادي، والقلق من أن تنفتح شهية الأكراد والسنة على «مطالب مبالغ فيها»، تكون نتيجتها الانهيار السريع للحكومات، والتشكيل الأصعب للوزارات الجديدة، داخل جو من الاستقطاب الداخلي والإقليمي، وأزمة مالية عاصفة نتيجة نفقات الحرب وانهيار أسعار النفط المفاجئ.
آخر الأخبار
العبادي يفقد أهم أسلحة المالكي داخل الحكومة
11-11-2014