«في البدء كانت بيرُووَه»، يستحضر عنوان المعرض النص من الشاعر اليوناني Nonnus Panopolis، الذي كتب في القرن الخامس "الديونيسياك”. بالنسبة إليه تأسست مدينة بيروي في بداية العالم، وولدت فينوس على أمواجها. "بيروي هي بيروت”، تقول نجاة نعيمة ناصيف، وهي مذكورة في علم الأنساب الديونيسي لدى الكنعانيين والأشوريين.

Ad

تضيف: "بيروت وشعبها ولدا مع تكوين الأرض، كانا منذ البداية، وكان آلهة الرومان واليونانيين من أصول شرقية. لم تولد أفروديت في قبرص بل على شاطئ بيروت، وكان البحر المتوسط مفتوحاً على البحار الأخرى في العالم القديم”...

انبثقت فكرة المعرض من خلال تعاون بين نجاة ناصيف وهدى قساطلي، يحثهما هم مشترك تجاه التراث. "أمارس اليوغا منذ ثلاث سنوات على صخور البحر”، تخبر  ناصيف، وتصيف: "نستطيع أن نرى بأم العين مشروع التدمير... أعرف هدى منذ زمن بعيد، وقد اتصلت بها منذ ستة أشهر لتوثيق هذا المكان العظيم وحمايته، على الأقل، من خلال الصورة. قمنا بجولة بحرية ونباتية، وكانت النتيجة هذا المعرض الذي يمهد لولادة كتاب بعد أشهر، وله هدف مزدوج: حماية التراث  وحماية جغرافية الروشة والدالية والرملة البيضاء من أي تدمير أو أي استثمار، وأيضاً حماية الميتولوجيات التي تصف بيروت وتنوعها الجيولوجي والتاريخي والثقافي”.

حماية التراث

الكاتبة عضو في الحملة المدنية لحماية الشاطئ، وملتزمة بحماية التراث اللبناني. يأتي هذا الالتزام من عشقها للميتولوجيا في الشرق الأوسط، وتنديدها بالمخططات الواسعة التي ترمي إلى تحويل الشاطئ إلى ملكيات خاصة.

تتابع: "نحن جميعنا ننتمي إلى هذا الشرق، إنه هويتنا الثقافية، هذه البوتقة التاريخية يجب حمايتها من العولمة الاقتصادية والسياسية التي ترمي إلى التدمير لتستولي على أرضنا وبحرنا وما فيهما من غاز وبترول”... المعرض باختصار هو تاريخ بيروت وتطورها الذي يوشك على الزوال.

تعكس الصور الفوتوغرافية الحياة اليومية البيروتية  والطبيعة الغنية التي تعود إلى آلاف السنين،  والتي من الواجب حفظها في الذاكرة في مسيرة المدينة نحو  المستقبل.

صور هدى قساطلي الأخيرة عن الروشة، الدالية، الرملة البيضا، في بيروت مرافقة بنصوص نجاة نعيمة ناصيف، تكشف المأساة البيئية في هذه المنطقة  المحفوظة ثرواتها من جيل إلى جيل، والمهددة، قريباً، بإزالتها نهائياً من أصول الحضارة بما فيها من أساطير ومن ذاكرة الناس.

في البدء كانت "بيروي” معرض مقدم للجميع ليكتشفوا حاضر بيروت وماضيها ويروا "بيروي” في الحجر والبحر وشمس الروشىة وهوائها، الدالية والرملة البيضا.

هدى قساطلي

تخصصت في الأصل في الأنثروبولوجيا، إلا أن هدى قساطلي عشقت التصوير الفوتوغرافي، وخطت لنفسها نهجاً خاصاً، مزج بين البحث والصور الوثائقية. بعد دراسة الفلسفة في جامعة القديس يوسف في بيروت ثم في باريس، بدأت التصوير بشكل مستقل عام 1981.

استخدام الصورة أساسي في عملها، ولا شك في أن الجمع بين الصورة والنص المرافق لها يعطي الموضوع  قوة. في الواقع، يتركز عمل هدى على الذاكرة والتراث، من هنا جاء كتابها «أرض البقاع» حول البيوت من الطين في الوادي.

عام 2011، نُشرت أعمال هدى  قساطلي واختباراتها في كتاب «أرابيك غرافيتي» (Arabic Graffiti) الذي يضم أعمال الفنانين في الشرق الأوسط والعالم الذين يستخدمون الخط العربي في لوحاتهم. شاركت عام 2011 في المعرض الجماعي «100 منمنمة صغيرة لكبار هواة جمع اللوحات!» في غاليري «أليس مغبغب»، وأقامت معرضاً فردياً في 2014.