«الكيُّ تحت الذَّيْل»!
كل هذه "الدَّربكة" المتعلقة بالبحث عن حلٍّ للأزمة السورية المتفاقمة، بعدما أفشل الروس والإيرانيون كل محاولات الحلول السابقة، هي كالقفز في المكان ذاته فوق حبل مشدود، إذْ إن ما يُطرح دولياً من خلال مبعوث الأمم المتحدة الجديد ستيفان دي ميستورا هو مجرد إضاعة للوقت، وحقيقة فإنه كـ"الكيِّ تحت الذَّيْل"، كما يقول أبناء البادية عندما لا يرون أي جدوى من محاولة استعراضية لمسألة معقدة وملتوية فشلت عند أقدامها كل الحلول.إن دي ميستورا هذا جرى تلميعه أكثر من اللزوم قبل مجيئه إلى هذه المنطقة التي سبقه إليها كثيرون منذ انفجار الأزمة السورية، من بينهم بالإضافة إلى الجنرال السوداني محمد الدابي كل من كوفي عنان وابن العمومة الأخضر الإبراهيمي، وكلهم بعد أنْ جرَّبوا "حظوظهم" وفشلوا غادروا هذه المنطقة لا يلوون على شيء وتركوا جرح سورية راعفاً ونازفاً، بينما ترك العرب المجال لإيران لتسرح في هذا "القطر العربي" كما تشاء ولتواصل قتل أبنائه، تسديداً لحسابات مذهبية وطائفية قديمة من المفترض أنه لا علاقة لهذا القرن الحادي والعشرين بها من قريب ولا من بعيد.
وإلى جانب ذلك، جاءت رحلات دي ميستورا المكوكية، التي إذا أردنا قول الحقيقة، فإن هدفها هو عزل الثورة السورية وخلق شرخ واسع بينها وبين حاضنتها الشعبية، فوفقاً لما يجري الحديث عنه فإن هذه المبادرة لا غاية لها إلا تحريض أبناء الشعب السوري على ثورتهم والقول لهؤلاء إن "ثوار الفنادق" لا يريدون نهاية للويلات التي تعيشونها، ولذلك فإنهم يرفضون خطة وقف إطلاق النار في حلب التي جاء بها مبعوث الأمم المتحدة، والتي من المفترض تعميمها على باقي المناطق السورية الملتهبة. تقول بعض المعلومات إن "مبادرة" دي ميستورا هذه قد تم إعدادها، وبالخرائط التي دأب المبعوث الدولي على عرضها أمام عدسات فضائيات العالم، بفرح غامر وسعادة مفرطة، من قبل فريق تمركز في جنيف في سويسرا فترةً طويلة، يقال إن له علاقات وطيدةً بالنظام السوري، وإنه بقي على اتصالٍ دائم بدمشق قبل استكمال هذه المبادرة العجيبة الغريبة.ثم إن المستغرب أن تعلن موسكو، بالتشاور مع معممي إيران وبتفاهم مع بعض "مسامير صحن" النظام السوري، عن مبادرة عرمرمية جديدة بعدما شكت مرَّ الشكوى من أن الولايات المتحدة تسعى، من خلال العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا ومعها دول الاتحاد الأوروبي، إلى إسقاط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكل هذا بينما المعروف أنَّ الروس ومعهم الإيرانيون هم مَن أفشل حلَّ جنيف الأولى في جنيف الثانية برفع شعار أن الأولوية هي لمواجهة الإرهاب لا لإسقاط نظام بشار الأسد وفقاً لاقتراح المرحلة الانتقالية التي يجري طرحها الآن، ولكن بعد "مسْخها" وتحويلها إلى قارب إنقاذٍ لنظام لم تعد تنفعه صعقات القلب الكهربائية، وبات يقترب من لفظ أنفاسه الأخيرة.إن كل هذه "الدربكة" هي في حقيقة الأمر كالقفز فوق حبل مشدود في المكان ذاته، فالموقف الروسي الفعلي هو تأكيدات بوتين، للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته "الاقتصادية" الأخيرة لأنقرة، أن بلاده ستواصل وقوفها إلى جانب سورية، وبالطبع فإن المقصود هو الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد، فالأزمة السورية غدت مرتبطة بالأزمة الأوكرانية وهذا يعني أنَّ كل هذه "المبادرات" التي يجري الحديث عنها هي بالفعل كـ"الكيِّ تحت الذيْل"، ولذلك فإنه لا حلَّ إلا حلّ جنيف الأولى الذي تستوجب العودة إليه مضاعفة الضغط على موسكو بالمزيد من العقوبات الاقتصادية.