تنتشر في إفريقيا روايات حول مواطنين أفارقة يشتكون من فقدان زوجاتهم وشركائهم لأغنياء في الصين، ويقول أحد ضحايا هذه الموجة الجديدة في كينيا عن الرجل الصيني «يبدو قصير القامة وقبيحاً، ولكنني أظن أنه يملك المال»، وسواء اندرج ذلك في نطاق الحقيقة أو الخيال فإن تلك القصص تروي الكثير عن القوة الاقتصادية المفترضة لرجال الأعمال الصينيين في القارة الإفريقية، والمواقف المناهضة لهم هناك.

Ad

وقد أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا إلى حد كبير، وهي تتبادل معها ما يساوي نحو 160 مليار دولار من البضائع في السنة، كما أن أكثر من مليون مواطن صيني انتقلوا إلى تلك القارة خلال العقد الماضي، وكان معظمهم من العمال والتجار، ويستمر التقدير بين حكومات الطرفين مع قيام شركات ببناء المزيد من الطرقات والمناجم في إفريقيا، ولكن ثمة مبالغة في القول عن تحول إفريقيا إلى «قارة صينية ثانية».

اجتذاب مستثمرين آخرين

الانتعاش الاقتصادي في إفريقيا، الذي ساعدت الصين على تعضيده في السنوات الأخيرة، اجتذب العديد من المستثمرين الآخرين، كما أن المواطنين من غير الدول الغربية يتنافسون بشدة، ويتوقع أن تصل العمليات التجارية بين إفريقيا والهند الى 100 مليار دولار في هذه السنة، وتنمو هذه العمليات بسرعة تفوق وتيرة التعامل مع الصين، ومن المحتمل أن تتجاوز التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، وتحل البرازيل وتركيا محل العديد من الدول الأوروبية، ومن حيث الاستثمارات في إفريقيا تتخلف الصين عن بريطانيا وأميركا وإيطاليا.

وإذا بدا أن الصينيين غير قلقين إزاء المنافسة فإن ذلك يرجع في جزء منه إلى أنهم يتطلعون إلى أماكن أخرى في خارج القارة الإفريقية، ويقول «هي لينغيو» وهو مدير أعمال بناء صيني في كينيا يأمل الانتقال إلى فنزويلا «إفريقيا مكان جيد للعمل التجاري، ولكن توجد أماكن أخرى أيضاً حول العالم».

قبل عقد من الزمن بدت إفريقيا مثل منطقة خارج نطاق التنافس وبقعة تدريب للاستثمارات الأجنبية مع انطلاق الاقتصاد الصيني في تلك الفترة، ولكن طموحات الصين في الوقت الراهن تتجاوز حدود العمل التجاري، أو السعي الى الوصول الى السلع في أكثر قارات العالم فقراً، وأصبحت معدودة تلك الأيام التي كان قادة الصين يقومون فيها بزيارات رسمية طويلة الى دول مثل تنزانيا، وبدلاً من ذلك تعهد الرئيس الصيني زي جينبنغ باستثمار 250 مليار دولار في أميركا اللاتينية خلال العقد المقبل.

يذكر أن النمو في الطلب الصيني على السلع قد تباطأ وهبطت أسعار العديد من المواد الأولية كذلك، ثم إن تعطش الصين الى البضائع الزراعية– وربما الى الأرض الزراعية أيضاً– قد يزداد مع توسع عدد السكان في الصين وارتفاع نسبة ثراء الطبقة المتوسطة فيها.

الشكوك الإفريقية

ولكن على الرغم من ذلك كله يشعر الأفارقة بشكوك متزايدة إزاء الشركات الصينية، ويتملكهم القلق من اتفاقات وصفقات غير عادلة ومجحفة وأضرار بيئية، وتغذي هذه المعارضة لهذا التوجه أوضاع المجتمع المدني في إفريقيا الذي يشهد انتعاشاً الآن، والذي يطالب بمزيد من الشفافية وحقوق الإنسان، ويمكن أن يشكل هذا تحدياً غير مألوف بالنسبة الى السلطات في الصين التي تعتمد في سياستها الخارجية بقوة على العلاقات بين دولة وأخرى، مع تجاهل طفيف للفجوة بين حكام إفريقيا وشعوبها.

وعلى سبيل المثال تمكنت منظمات السكان في جمهورية السنغال في السنة الماضية من تعطيل اتفاق كان سيسمح بتسليم قسم رئيسي من العقارات في مركز العاصمة داكار الى مطورين صينيين، وفي تنزانيا انتقدت الاتحادات العمالية الحكومة بسبب سماحها لتجار صينيين صغار بالعمل.

انتقاد رسمي للصين

من جهة أخرى يعبر بعض المسؤولين الأفارقة عن انتقادهم للصين، ويقول لاميدو سانوسي وهو حاكم سابق للبنك المركزي في نيجيريا إن إفريقيا تفتح أبوابها أمام «شكل جديد من الإمبريالية» تقوم الصين فيه بأخذ السلع الإفريقية الرئيسية وتبيع القارة سلعاً مصنعة من دون نقل المهارات إليها».

وبعد سنوات من الحديث عن شراكة تحقق الكسب للجانبين يبدو أن الصين أدركت حجم المشكلة، وخلال جولة له في إفريقيا قال وزير خارجية الصين وان غيي في 12 يناير «نحن بكل تأكيد لن نتبع المسار القديم للمستعمرين الغربيين». وفي شهر مايو الماضي أقر رئيس الوزراء الصيني لي كيغيانغ «بالصعوبات المتزايدة» في العلاقة بين الجانبين.

لدى الصين قلة من الطموحات السياسية في إفريقيا، وهي تتعاون مع الديمقراطيات والأنظمة المطلقة على حد سواء، وميزانية مساعداتها طفيفة للغاية، كما أن العدد القليل من قوة حفظ السلام لا يشارك بفعالية، وقد اجتذب نموذج الصين المؤسساتي شريحة ضئيلة من الأتباع خارج إثيوبيا ورواندا، ومعظم الدول الإفريقية السريعة النمو تميل بقدر أكبر نحو أفكار السوق الحرة الغربية.

وفي جنوب السودان، وهو أحد الأماكن التي حاولت الصين فيه استعراض عضلاتها الدبلوماسية، لم تحقق بكين سوى النزر اليسير، وقد أخفقت بصورة محزنة محاولاتها من أجل وقف الحرب الأهلية التي تهدد إمداداتها النفطية.

ويسخر المهاجرون الصينيون في إفريقيا من فكرة التفوق على السكان المحليين، ومعظم أولئك يتجمعون في دول ثانوية مثل زامبيا وهم أقل حضوراً في بلدان ذات تنافسية أعلى مثل نيجيريا، وبخلاف الوافدين الآخرين يتركز الصينيون في الغالب في معسكرات منفصلة، وقد ظن البعض أنه بعد عقد من مشاركة الصين الرفيعة المستوى سوف تهيمن بكين على إفريقيا، ولكن بدلاً من ذلك يبدو أنها مجرد مستثمر أجنبي آخر ينافس من أجل تحقيق ميزة تجارية فقط.