لا يمكن أن يكون وطناً البلد الذي تتحول فيه وثيقة المواطنة (الجنسية) إلى سلاح بيد السلطة لمعاقبة أبنائه على مواقف سياسية اتخذوها ونادوا بها، سواء عن طريق منحها لهم أو سحبها منهم، وإلا تحول هذا الوطن إلى مجرد مستعمرة مؤقتة لاستغلال ثروة أو منفعة ما تنتهي بانتهاء وجودها، والكويت ليست كذلك بل هي كيان ووطن له وجود مؤرخ ومعلوم.

Ad

ولكن الموجات المتتالية لقرارات سحب الجنسية التي اتخذها مجلس الوزراء، في الفترة الأخيرة،  ذات مدلولات سلبية ورسائل غير مطمئنة بأن عقاباً جماعياً سيشمل ناساً وأسراً، وربما يكون له آثار غير إيجابية على البلد في المستقبل.

الجنسية في كل دول العالم لها قوانين تنظم منحها وسحبها، وفي دول المؤسسات الدستورية فإن عملية سحب الجنسية بالغة الصعوبة، وتقتصر غالباً على من يقاتل وطنه مع الأعداء أو التزوير والإدلاء ببيانات كاذبة للحصول في الأساس على الجنسية.

وفي الكويت هناك قانون مفصل وطويل للتعامل مع قضايا الجنسية، ومنذ زمن طويل تقدم أسئلة برلمانية للحكومة عن التلاعب في الجنسية، ومطالبات شعبية للسلطة لمراجعة ملفات الجنسية لوجود عمليات تزوير وتلاعب كبيرة قدرها حكم قضائي نهائي بما يزيد على 60 ألف جنسية مزورة، ولكن الحكومات المتتالية صدت جميع تلك المطالبات، ورفضت القيام بأي عملية تنقيح ومراجعة لملفات الجنسية الكويتية دون أن تُبدي الأسباب بما يمثل إهمالاً بالغاً لواجباتها ومسؤولياتها الدستورية، ويبين ضمنياً رضاها عن وجود تلك الانتهاكات الكبيرة!

ولكن الغريب هو خروج السلطة مؤخراً بقوائم سحب للجنسية الكويتية مكونة غالبيتها من أسماء سياسيين وإعلاميين لهم نشاطات معارضة لتوجهات الحكومة ونهج السلطة بما يشكل رسائل واضحة من الدولة بأنها عملية عقاب على ممارساتهم السياسية، وهي إجراءات لا تقوم بها الدول الديمقراطية والقانونية، ولا يجوز أن تستمر إلا إذا كانت بشكل شامل وشفاف وواضح لكل الشعب الكويتي.

وإن كانت الحكومة جادة في تطبيق القانون فلتشكل لجاناً قانونية من ثقات لمراجعة كل مخالفات "الجنسية الكويتية" وأن تكون نتائجها معلنة عبر الجريدة الرسمية، فمن يكتشف تزويره يعلن ذلك وتبين الوثيقة التي زورها أو السبب الذي بموجبه سيتم سحب الجنسية منه بالمستندات، أما ترك قرار سحب الجنسية سيفاً مصلتاً في يد السلطة على رقاب كل صاحب رأي وأسرته فهو أمر أصبح أشبه بممارسات القوانين الفاشية، وهو ما يتطلب إجراء تعديلات تشريعية عاجلة.

قطعاً، إن كل كويتي مخلص لا يريد أن يبقى ملف الجنسية على ما هو عليه منذ منتصف ستينيات القرن الماضي؛ أداة سياسية في يد السلطة، رأينا آثارها المدمرة مؤخراً، فمرة يستخدم عبر منح الجنسية الكويتية بأعداد غفيرة لغير المستحقين لمواجهة مطالب أهل الكويت بالديمقراطية والتوزيع العادل للثروة النفطية والتأثير في نتائج الانتخابات، وتارة أخرى يريدون تأديب معارضيهم عبر سحب الجناسي منهم! وفي الحالتين فإن الكويتيين هم من يدفعون ثمناً باهظاً للعب السلطة في ملف المواطنة الحساس والخطير، ويريد الكويتيون أن يُبعد هذا الملف عن التداول السياسي، وأن ينفض أيضاً هذا الملف المتخم ليصفى من كل ما يحتويه من مخالفات وتجاوزات من خلال القانون وأحكامه العادلة، وليس كوسيلة عقابية لأصحاب الرأي المخالف لما تريده السلطة، وهي الممارسة التي يجب أن نرفضها، وكذلك جميع القوى السياسية الوطنية الديمقراطية.