حرب عملات تستهدف تحسين الاقتصاد

نشر في 14-03-2015
آخر تحديث 14-03-2015 | 00:01
 بلومبرغ • بخلاف سويسرا ليس لدى الدنمارك قطاع مالي دولي ضخم يثير قلقها مع هبوط عملتها الى جانب اليورو؛ لذلك أظن أن الدنمارك ستفضل قطاع التصدير وتحافظ على ارتباط الكرون، ويمكنك أن تصف العملية بتلاعب عملات أو سياسة اقتصادية داخلية.

عملات العالم كلها تقريباً بدأت بالانخفاض أمام الدولار، ويكاد الهبوط يكون مدفوعاً على الأغلب من حكومات وبنوك مركزية تهدف الى خفض عملاتها من أجل تحقيق ميزة في التجارة العالمية وتحسين اقتصاداتها الخاصة.

ومنذ شهر ديسمبر الماضي هبطت 22 عملة أجنبية رئيسة بمعدل وسطي بلغ 4.5 في المئة مقابل الدولار، وتجعل العملة الأكثر رخصاً الصادرات أقل تكلفة وبالتالي تصبح أكثر جاذبية بالنسبة الى المشترين الأجانب، كما أن العملة المنخفضة القيمة ترفع أسعار المستوردات وهو ما يدفع المستهلك المحلي الى الإحجام عن شراء بضائع أجنبية.

وقد أعلنت في الآونة الأخيرة مجموعة من 20 مسؤولاً مالياً أن الإضعاف المتعمد لعملة ما بهدف تحقيق نمو داخلي عملية مقبولة، في حين لا ينسحب ذلك على خفض العملة من أجل تحقيق ميزة في التجارة الخارجية، وأنا لا أستطيع أن ألمس الفارق، ولكن رئيسة مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي جانيت يلين تدركه.

وفي شهر فبراير الماضي عارضت يلين في شهادة لها جهود الكونغرس الرامية الى إضافة مزيد من العقوبات القانونية الى اتفاقيات تجارية ضد دول تتلاعب بعملاتها؛ لأنها قد تورط مجلس الاحتياط الفدرالي، وقالت إن «السياسة النقدية يمكن أن تكون لها أصداء على معدلات الصرف ولكنني أظن حقاً أن من غير الصحيح استخدام التلاعب بالعملات ووضع ذلك في الإناء ذاته، مثل التدخل في أسواق الصرف الهادفة الى تغيير معالم المنافسة لمصلحة دولة ما».

ولكن مجلس الاحتياط الفدرالي يواجه معضلة: مع قيام دول أخرى بخفض قيمة عملتها في مقابل الدولار لن يكون في وسع الولايات المتحدة توجيه ضربة الى الدولار بصورة متعمدة، ومن حيث كون الدولار عملة احتياط عالمية ضد أي عملة سوف يتم خفضه؟ والدولار الأقوى يجعل مستوردات الولايات المتحدة أرخص، وهو ما يدفع المنتجين المحليين الى الحفاظ على التنافسية من خلال خفض الأسعار وتسريح الموظفين من أجل خفض التكلفة، وهكذا فإن الدولار المرتفع القيمة يعمل ضد هدف مجلس الاحتياط الفدرالي الرامي الى استقرار الأسعار والحفاظ على مستويات التوظيف كاملة.  

وتبتلي تحركات العملة البنوك المركزية الأخرى أيضاً، وكان البنك الوطني السويسري أحد المتلاعبين في العملات عندما ربط الفرنك عند 1.20 مع اليورو في سنة 2011، ومن أجل الحفاظ على هذا الربط كان على البنك المركزي السويسري بيع الفرنك بصورة مستمرة من أجل شراء اليورو، وفي شهر ديسمبر الفائت أصبحت نسبة 42 في المئة من أصول البنك الوطني السويسري باليورو، أي ما يعادل 36 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في سويسرا.

ولكنه رفع الربط فجأة في 15 يناير وقبل أسبوع واحد من إعلان البنك المركزي الأوروبي أنه سوف يبدأ عما قريب بشراء ديون الحكومة على شكل جزء من برنامج التيسير الكمي، وقد ارتفع الفرنك السويسري بسرعة بنسبة 30 في المئة مقابل اليورو، فأفضت متاعب منطقة اليورو الاقتصادية ووضعية سويسرا كملاذ آمن الى تدفق الأموال عليها. وأدى ذلك الى رفع قيمة الفرنك السويسري بالنسبة الى اليورو مما أضر بالصادرات السويسرية بشدة.

والسؤال هو لماذا قرر البنك المركزي السويسري إنهاء عملية الربط؟ قال رئيس البنك المركزي توماس جوردان إن الربط حقق هدفه، كما أن الحفاظ عليه لم يكن منطقياً أو معقولاً في الأجل الطويل، وأنا لا أجد هذه التفسيرات مقنعة، وخفض معدلات الفائدة الذي رافق إنهاء الربط سوف يحول دون بقاء الأموال في سويسرا.

هل تعرض البنك الوطني السويسري الى ضغوط من نظرائه لوقف التلاعب بالفرنك؟ إن من المؤكد أن العملاء الأجانب في الشركات المالية السويسرية لن يكونوا سعداء إذا تبع الفرنك مسار اليورو الهابط بعد الاعلان عن التيسير الكمي من البنك المركزي الأوروبي، والذي كان البنك الوطني السويسري يعلم أنه سوف يتحقق.

وتربط الدنمارك الكرون أيضاً باليورو، وقد بلغت الصادرات 54 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في الربع الأخير من سنة 2014، وذهب معظمها الى دول في منطقة اليورو. ومع هبوط اليورو قبل إعلان البنك المركزي الأوروبي في شهر يناير وبعده، وإنهاء سويسرا عملية ربط العملة يجهد البنك الوطني الدنماركي الى منع تحسن الكرون فوق نسبة الربط البالغة 7.46 للكرون مقابل اليورو (قد يصل بشكل وسطي الى 2.25 في المئة أعلى أو أدنى من تلك النسبة).

في الخامس من شهر فبراير الماضي خفض البنك المركزي الدنماركي معدلات الفائدة للمرة الرابعة خلال ثلاثة أسابيع لتصل إلى– 0.75 في المئة، وفي شهر يناير باع البنك الوطني الدنماركي كمية قياسية من الكرون– ما يعادل 9 في المئة من اقتصاد الدنمارك. وفي الشهر الماضي قفز احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية 173 مليار كرون ليصل الى 737 مليار كرون (111 مليار دولار). وقال رئيس البنك لارس رود إن البنك المركزي يملك « الأدوات الضرورية من أجل الدفاع عن سياسة معدلات الصرف الثابتة مهما تطلب الأمر».

وبخلاف سويسرا ليس لدى الدنمارك قطاع مالي دولي ضخم يثير قلقها مع هبوط عملتها الى جانب اليورو؛ لذلك أنا أظن أن الدنمارك سوف تفضل قطاع التصدير وتحافظ على ارتباط الكرون، ويمكنك أن تصف العملية بتلاعب عملات أو سياسة اقتصادية داخلية، ولكن الدنمارك وكل دولة أخرى في العالم تريد أن تكون عملتها أرخص.

back to top