الخطيئة ليست بِكْراً!
ليس هناك طريق ثالث للنجاح في هذه الحياة، إما أن تسلك درب الطهر الطويل للالتفاف حول نهر الخطايا حتى تصل إلى الضفة الأخرى الشاهقة حيث النجاح، أو أن تقفز بخطيئة وتنجو بفعلتك!الطريق الأول شاق ومنهك ويتطلب كثيراً من الصبر والإيمان، والطريق الآخر خطير وغير آمن ويتطلب كثيراً من الذكاء و... التهور!
سلوك أيّ من الطريقين مغامرة تتطلب شجاعة نادرة، والخيارات شبه معدومة، وهذا ما يجعل من الحياة تحدياً ليس ناعماً، فالذين يختارون درب الصواب ظناً منهم أنه درب آمن كليّاً مخطئون، بل ربما هو الدرب الأكثر تحديّاً، فبخلاف أنه الأطول، فهو شاق ومليء بالعقبات، والشوك، والمنعطفات المفاجئة، والمنحدرات الخطيرة، والمرتفعات الصعبة، والسير في هذا الطريق أشبه بقطع الربع الخالي بقربة ماء، طريق يستنزف قطرات الصبر قطرة قطرة، ويستبدل كل شمعة أمل بعتمة يأس، وقد يموت المرء قبل أن يبلغ الضفة الأخرى، ليرفع قبضته عالياً معلناً وصوله إلى النجاح!لذلك، فإن هذا الطريق لا يمكن اجتيازه ما لم يكن المرء محمّلاً بزوّادتين، الأولى لا ينفد منها الصبر، والأخرى لا تشحّ بالإيمان، الإيمان الذي لا يطاله شك في أي لحظة بأنه لم يختر سوى الدرب الصحيح. حسنة هذا الطريق الوحيدة، أن المرء حتى وإن مات دون أن يبلغ غايته، وهذا ما يحدث غالباً، سيذكر بعد موته أنه عاش حياته راضياً ومتصالحاً مع ذاته.البعض يظن أن في الجزء الأول من النهاية السابقة وأقصد أن يموت المرء قبل أن يبلغ النجاح عبرة، فيختار الطريق الآخر، إذ يفكر في ارتكاب خطيئة واحدة، واحدة فقط بإمكانها أن تنقله للضفة الأخرى، وتختصر عليه درباً طويلاً وعراً غير مضمون، خطيئة واحدة تمكنه من العبور فوق نهر الخطايا دون الوقوع فيه، وبالإمكان التطهر من تلك الخطيئة لاحقاً بعد النجاح!يبدو هذا التفكير منطقياً إلى حد ما، إلاّ أن الخطيئة لم تُولد بكراً، وليس هذا فقط ما يقلق، ما يقلق حقاً أن الخطيئة غالبا ما تكون حبلى بالخطأ!وهذا الخطأ المخبوء في رحمها هو ما يجعل المرء يسقط حتماً في نهر الخطايا بدل أن يجتازه، وتكاد تكون الخطايا غير الحبلى نادرة جداً، لذا يصبح قرار ارتكابها مغامرة كبرى خطيرة، لأنه حين وقوع المرء في النهر المشؤوم لن يستطيع الخلاص، سيبقى عالقاً في خطاياه لا يموت فيها ولا يحيا إلى أن ينتهي أجله المكتوب، بل إن البعض يدمنها إذا تذوق شربة من مائها المسموم.الذين سقطوا في النهر لن يتمكنوا أبداً من الوصول إلى الضفة المرتفعة الأخرى، بل سيظلون يصارعون فيه ما بقوا أحياء، أما من لم توقعه خطيئته في النهر، وإنما أعادته لضفته الأولى مع بعض الجروح والكسور التي ربما سيتمكن مع مرور الوقت من علاجها، فهو من يملك فرصة أخرى ليفكر بعد تعافيه في ما إذا كان سيسلك الدرب الطويل، أم سيفكر مرة أخرى بارتكاب خطيئة واحدة على أن تكون ليست حبلى، كلنا في الغالب ذلك الشخص الذي يملك فرصة أخرى!