استيقظ العالم صباح يوم 11-9-2001 على تدمير برجي التجارة في نيويورك بعملية إرهابية نفذها تنظيم القاعدة، الذي كانت الولايات المتحدة الداعم الأول له طوال قتاله ضد القوات السوفياتية في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وقامت الدنيا ولم تقعد، وشكلت أميركا تحالفاً دولياً ضم أكثر من مئة دولة لمحاربة الإرهاب، واستمرت الحرب منذ ذلك التاريخ، واليوم ظهر تنظيم "داعش" خلفاً لتنظيم القاعدة في الشام والعراق وتقوم أميركا بحشد تحالف دولي لمحاربته!!

Ad

والسؤال: لماذا لم تنجح دول العالم بزعامة الولايات المتحدة في القضاء على الإرهاب؟! هل تملك الجماعات الإرهابية سلاحا أكثر مما لدى أميركا؟ وهل تملك تنظيماً أشد قوة وأكثر تماسكاً من دول العالم بأسره؟ أسباب كثيرة تفسر هذا الفشل الدولي في القضاء على الإرهاب، ولكن يهمني هنا الحديث عن نقطتين فقط– قد يغفل عنهما البعض- حول هذا الفشل الواضح.

أولاً: تعريف الإرهاب: من أبجديات الحروب والانتصار على العدو أن تحدد عدوك بدقة وتعرفه بوضوح، ولكن للأسف عندما أعلن العالم الحرب على الإرهاب لم يحدده أو يعرفه، وأصبح الإرهاب هلامياً لا ملامح له ولا وصف دقيقاً، وأخذ كل نظام يعرف الإرهاب وفقاً لهواه ومصلحته، وصارت الأنظمة تتهم معارضيها بالإرهاب لا لشيء إلا لتستجدي المساعدة الدولية للقضاء على المعارضة الداخلية، والأمثلة كثيرة وشديدة الوضوح خصوصاً في عالمنا العربي الذي يُتهم دائماً بأنه بيئة حاضنة للإرهاب، وأصبح هدف الأنظمة القضاء على المعارضة لا الإرهاب!!

 وأخذ التعامل بين الدول المشاركة في التحالف شكل "خد وهات"، بمعنى إن ساعدتني في القضاء على الإرهاب (المعارضة) عندي فسأساعدك في القضاء على الإرهاب (المعارضة) عندك، ففقد التحالف تماسكه وفقد الزخم اللازم لاستمرار قوة الدفع للقضاء على الإرهاب، وزاد الإرهاب وفرّخ الكثير من الجماعات، ومهما كانت التحالفات التي تتكون فلن تنجح ما لم تضع تعريفاً محدداً واضحاً للإرهاب بعيداً عن الاختلافات السياسية.

ثانياً: العدل: لو افترضنا تعريفاً للإرهاب بأنه ترويع الآمنين وقتل المدنيين فسنجد أن عكسه هو الأمن والأمان وهو الهدف المنشود من التحالفات الدولية.

توجد قاعدة إنسانية منذ أكثر من 1400 سنة توضح كيف يمكن تحقيق الأمن في المجتمع "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر"، هذه هي القاعدة الإنسانية الأبدية، عندما يسود العدل ويختفي الظلم والتفرقة والكيل بمكيالين سيختفي الإرهاب وتتآكل رموزه وجماعاته، أما أن يحدث العكس فأنى للإرهاب أن يختفي؟

أن يعتبر العالم مقاومة "حماس" للاحتلال الإسرائيلي إرهاباً في حين يعتبر قتل إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين دفاعا عن النفس!! أن تكون مطالبة الثوار– في أي مكان- بالحرية للشعوب إرهاباً واستهداف الأنظمة لهؤلاء الثوار حقاً مصوناً!! هل يمكن بعد هذا أن يختفي الإرهاب؟!

نعم... وكما ذكرت هناك أسباب كثيرة للإرهاب يملأ بها الكتّاب والمحللون صفحات الصحف والكتب، مثل الأفكار الراديكالية المتطرفة، والبيئة الحاضنة، والسلوك الإجرامي الفردي... إلخ. كل هذه أسباب لا يمكن إنكارها أو غض النظر عنها، ولكن إن بدأنا بالتعريف الحقيقي للإرهاب وتحقيق العدل بين الجميع واختفاء النظرة المزدوجة للأمور... إن فعلنا ذلك فعلا فسيختفي الإرهاب ويتلاشى، فهل يمكن يوما أن يختفي الإرهاب؟ وهل يمكن أن نرى العدل والمساواة بين الجميع واقعاً؟ وأخيراً فهل يمكن ألا تجد أميركا يوماً مبرراً لوجودها في عالمنا العربي؟