مثلما نجح مجلس الأمة في تعديل قانون إنشاء المحكمة الدستورية بما يسمح بالتقاضي المباشر للأفراد أمامها، وإن كان مرتبطا ببعض القيود المتمثلة برسم مالي قدره 5 آلاف دينار، وبنظرها بغرفة مشورة وتوقيع ثلاثة محامين مقيدين أمام المحكمة الدستورية على صحيفة الطعن رغم أنه مطلب تاريخي سعت العديد من المجالس الى تحقيقه ولم تنجح، إلا أن هناك قضيتين أيضا لا تقلان أهمية، هما رقابة القضاء الإداري على القرارات التي تصدرها الحكومة ممثلة بقرارات الجنسية التي تصدرها وزارة الداخلية أو الإبعاد الإداري لما لتلك القضيتين من أهمية كبرى تمس حقوق الأفراد وحرياتهم.

Ad

كانت لدى القضاء الكويتي العديد من المحرمات التي لم تسمح لها القوانين تارة بالنظر فيها أو حتى الرقابة عليها تحت مسمى نظرية أعمال السيادة، وبعد مرور ما يزيد على 50 عاما من صدور الدستور الكويتي وتطور القضاء الكويتي وتعديل بعض القوانين التي كان القضاء يُمنع من النظر فيها فإن الواقع العملي شهد جدارة القضاء في التصدي لها وأصبح صمام الأمان للدفاع عن حقوق الأفراد وحرياتهم، بل حتى الدفاع عن وجهة نظر السلطة التنفيذية.

وأولى تلك القضايا التي كانت تحرم على القضاء النظر فيها بعد تعديل قانونها هي نظر القضاء في أمر تراخيص الصحف والمجلات والتي جاء قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 2006 وأعطى للقضاء الحق في الرقابة على قرارات منع منح تراخيص الصحف وأصدر احكاما بإلزام وزارة الاعلام منح عدد من الشركات الحق في إصدار الصحف بعدما رفضت وزارة الاعلام منحها، وفي المقابل أيدت المحاكم قرارات الوزارة بعدم منح أي تراخيص لبعض طالبيها، وبعد صدور تلك الأحكام لم تتأثر الحكومة ولم تتأثر سيادتها!

وثاني تلك القضايا التي كانت تعد من قبيل أعمال السيادة ولا يجوز سابقا للقضاء نظرها تحت اسم أعمال السيادة هي الأعمال التي أصدرتها الحكومة عبر مراسيم الدعوة للانتخابات أو حتى تشكيل الحكومات أو حتى مراسيم الضرورة، وجاء قضاء المحكمة الدستورية في حكمين قضائيين ليؤكد رقابته على تلك المراسيم وبسط رقابته عليها وقرر إلغاء عدد منها وبعضها تحت مسمى الضرورة وأبقى أخرى ليؤكد مجددا أحقيته بالرقابة على المراسيم، ولم يتأثر الأمن الوطني ولم تتأثر سيادة الدولة!

اليوم وبعد تقدم تجربة القضاء وتصدي رجاله للعديد من القضايا أصبحت الحاجة ملحة حتى يسند إليه أمر الرقابة الكاملة على القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الداخلية على قرارات الجنسية، وذلك حتى تكون القرارات الصادرة متوافقة مع صحيح القانون، وهو أمر يستلزم بسط رقابة القضاء عليها للتأكد من سلامتها.

الحال ذاتها تنطبق على القرارات التي تصدرها وزارة الداخلية بشأن الابعاد الاداري للأجانب والتي تستند إلى دواعي المصلحة العامة، ومثل تلك الدواعي الفضفاضة تستلزم الرقابة عليها من القضاء حتى لا تكون صادرة وفق هوى السلطة التنفيذية أو الانتقام من أي وافد لمجرد تعبيره عن الرأي أو حتى لممارسته لأي فعل ذي طبيعة جنائية.

المطالبة بإعطاء دور للقضاء في هذه القضايا وإن كانت مرهقة له، هو إيماننا المطلق بالدور الذي يقوم به القضاء لتحقيق العدالة للأفراد بعد أن يسمح لهم حق تقديم الدفاع أمامه، وحتى لا تتهم الدولة بإضرارها للأفراد تحت أي دواع سياسية أو أمنية لمجرد الاضرار، خصوصا وأن القضاء أثبت قدرته على التصدي للعديد من القضايا التي تزيد أهمية عن قضايا الجنسية أو الابعاد، فضلا عن أن هذه التعديلات تصب في مصلحة حقوق الافراد وحرياتهم وتؤكد مفهوم دولة القانون.