أطرح هنا رأياً لا أفرضه وقد يقبله الزملاء الروائيون الشباب أو يصرون على نهجهم، ذلك لا يلغي إيماني الكبير بموهبتهم، ولا يعني أكثر من رغبتي الحقيقية في الوصول إلى مستوى روائي راق يمثل الرواية الكويتية اليوم ويضعها إلى جانب الروايات العربية المتميزة. كان الرهان دائماً في هذا الجيل على اثنين من الروائيين، واللذين أتوسم فيهما تجاوز التجارب الروائية السابقة والانتقال بها إلى عوالم أكثر عمقاً وخيالاً ودهشة، انطلاقاً من واقع وليس تسجيلاً له، هما سعود السنعوسي وبثينة العيسى، والآن أضيف إليهما عبدالوهاب الحمادي، وأترقب شاباً في الطريق هو فيصل الحبيني.
لم تتح لي الفرصة من قبل أن أقرأ للحمادي، وهذه الرواية الثانية له بعد الطير الأبابيل. "لا تقصص رؤياك" الرواية التي أنهيتها قبل أيام، وباشرت بعدها بقراءة رواية السنعوسي الأخيرة، والتي سأتحدث عن تقاطعها مع هذه الرواية، وهو التقاطع الذي كان سبب المقدمة.تعتمد رواية الحمادي منذ بداياتها على تفاصيل محلية لمكونات التركيبة السكانية المجتمعية في الكويت، ويتم رسم شخصياتها الشكلية بناء على تلك اللهجة أو اللباس أو طريقة العيش والمكانة الاجتماعية التي تحددها المناطقية. تلك الصور النمطية التي يعرفها أهل الكويت عن أنفسهم أكثر من سواهم. ويضيف الحمادي إلى هذه الصور النمطية إعادة تسجيلية لما حدث قبل طباعة الرواية بسنوات أربع تقريباً، وهو بالتأكيد قريب جداً من تاريخ كتابتها. هذا التسجيل المعاد لتفاصيل قريبة وتغيير أسماء الشخوص الذين شاركوا في الحدث الحقيقي والرمز لهم أحياناً بأحرف بدلاً من أسمائهم المعروفة كما تفعل الصحف في أخبارها الأمنية أخرج الرواية من معناها التخييلي Fiction إلى سيرة ذاتية أو شبه ذاتية Semi-biography يشجع ذلك تورط الكاتب شخصياً في الحدث وصلته بأحد شخوص العمل حتى إن أنكر ذلك.وما يفقد هذا النوع من الكتابة سماتها الروائية هو ارتياب القارئ بأن حقيقة الوقائع التي يعرفها ومعرفته التامة بالأسماء التي تم تطويعها للعمل الروائي تنطبق على جميع الشخوص الذين لا يعرفهم في العمل، ويؤكد وجودهم الحقيقي ومعرفة قارئ ما أكثر صلة بالكاتب بهم، فكل الأحداث التي ترصدها الرواية هي روايات حضر أحداثها العديد من القراء، وقرأ البعيدون عن الأحداث تفاصيلها الصحافية والتعليقات التي دارت حول هذه الأحداث، وربما أفسدت متعة الحكي الروائي وفاقت تفاصيل الرواية التي بين أيدينا.بالتأكيد هذا لا يعني أن حدثاً ما في المجتمع لا يصلح للرواية، ولكن على الرواية أن تبني على هذا الحدث لا أن يكون الحدث هو الرواية، وإلا لتحولت إلى تحقيق صحافي مادته أحداث واقعية، وتلك مهمة يجيدها الروائي كما يجيدها الصحافي والمؤرخ والكاتب، ويجيدها أيضاً المحقق الأمني.عبدالوهاب الحمادي بلا شك روائي يمتلك النزعة الروائية التي تمكنه من الابتعاد عن التقريرية، وبإمكانه التركيز على الشخصية التي يبدو أنها تماهت تحت وطأة الأحداث وغابت تفاصيلها وربما الوحيدة التي نجت من ذلك هي شخصية "ن"، والتي كتبت بحرفية الروائي.سأضطر هنا إلى استخدام وصف مدرسي للتفريق بين الروائي صانع الحدث والصحافي والمؤرخ مسجل الحدث، الأول سلاحه قلمه وخياله، والثاني سلاحه قلمه وآلة تصويره... وعلى الشباب أن يختاروا.
توابل - مزاج
رواية التفاصيل المعادة
15-03-2015