كلما هممت بالكتابة في هذا الموضوع "رؤية سيريالية في القضية الفلسطينية" الذي وصلنا فيه إلى الحلقة الحادية والعشرين، شعرت بمزيد من الإحباط وأن القضية الفلسطينية التي كانت من أولويات الاهتمام العربي وشاغلة مؤتمرات العالم، هذه القضية أصبحت "كــُرة" بين أقدام الفلسطينيين أنفسهم، وأظهرت أنهم "لاعبون" غير مؤهلين لقيادة هذا الشعب الذي لا يحتاج منا شهادة في التضحيات.

Ad

في جولة سريعة على العناوين التي تناقلتها وسائل الإعلام من تصريحات عن جهات فلسطينية "مختلفة" فيما بينها، نخرج بأن هذه التصريحات تدعو إلى مزيد من القلق لما تحمله في ثناياها من تضارب في الرؤية حول حقائق جوهرية في لب القضية.

هذه التضاربات المتناقضة والطافحة بالشتائم والتحريضات والتخوين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون مقبولة ولا منطقية في قضية جوهرية، في وضع عالمي مضطرب تشغله قضايا خطيرة، وعلى رأسها "الإرهاب" والأزمات الاقتصادية التي يعانيها منذ سنوات، بالإضافة إلى مشكلات في دول أخرى لا تقل أهمية عن أي قضية أخرى في عالم باتت فيه المصالح مشتركة ومتشابكة.

منذ أيام جرى الحديث عن تشكيل وفد من كل التنظيمات الفلسطينية برأسه عزام الأحمد الذي قاد ملف المصالحة مع حماس، وأن هذا الوفد سيتوجه إلى غزة لإتمام مهمته! فلا شيء يفرح الشعب الفلسطيني أكثر من خبر عن خطوة متقدمة تحقق المصالحة وتنهي الانقسام الذي يقف حجر عثرة أمام فك الحصار والإعمار وغيرها في قطاع غزة.

 إلا أن تصريحا على لسان "إسماعيل الأشقر" رئيس لجنة الداخلية والأمن الوطني في المجلس التشريعي، وصف أعضاء الوفد القادم إلى غزة بالكذابين والدجالين! ولم يتأخر الرد من الطرف الآخر حيث تساءل أحمد عساف، الناطق الرسمي باسم حركة "فتح": "من المرغوب به لدى حماس، وهل تركت حماس أحدا في الساحة الفلسطينية لم تخونه أو تكفره، فهي لا ترغب سوى بالمجرمين وتجار الحشيش".

 ونحن نتساءل: أي سيريالية يمكن أن تكون في "ردح" عقيم كهذا بين فصيلين يعتبران أنفسهما الأكبر والأهم على الساحة الفلسطينية، وأنهما المُخلـِصان للشعب من معاناته، دون أن يستمعا إلى رأي الأغلبية فيهما وفي غيرهما من التنظيمات، بينما الحصار قائم منذ سنوات، والدمار والخراب في كل مكان، والقضية تراوح في مكانها منذ سنوات،

وعلى الجانب الآخر هناك دولة محتلة تتوسع وتكبر وتتمترس استعدادا لمواجهة العالم كله في أي محاولة تجبرها على تنفيذ قرار واحد يخص الفلسطينيين ودولتهم؟!

 ومن ناحية أخرى لم يكن قرار محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة ليفاجئ العالم، حيث أصدرت يوم السبت 31 يناير 2015، قراراً يعتبر "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" جماعة إرهابية، وذلك بعد الحادث الإرهابي الذي راح ضحيته أكثر من ثلاثين عسكريا في سيناء، الأمر الذي قطع بسببه الرئيس المصري "السيسي" مشاركته في مؤتمر الاتحاد الإفريقي.

 ذلك أن الإعلام المصري في أكثره كان محرضا على "حماس"، لذلك فإن قرار المحكمة المصرية هو شأن مصري يراعي مصلحة مصر، أما أن يأتي رد كتائب القسام الجناح المسلح لحركة "حماس" في نفس اليوم حول هذا القرار باعتبار كتائب القسام "منظمة إرهابية" سيؤدي "لخسارة مصر الكثير مما لديها في قطاع غزة"، فهذا لن يرضى عنه الشعب الفلسطيني، ولن ترضى عنه مصر بصيغة التحدي هذه، وهي التي قدمت وتقدم الكثير من أجل الأمة العربية ولفلسطين، في وجود بعض "الأبواق" الحاقدة  في الإعلام المصري الذي يحرض على "حماس" وكأنه يحرض على القضية تحت مسمى" الحرية" في العهد الجديد.

وفي نفس الوقت فقد صرح محمد دحلان المتخاصم مع الطرفين "حماس" و"فتح" لصحيفة اليوم السابع قائلاً: "أشدد على أن أي صيغة توافق وطني فلسطينية لن تستقيم دون التصدي لواجبات وشروط العلاقات الأخوية العميقة التي تجمعنا بمصر، وفي مقدمتها التوصل إلى صيغة تفاهمات أمنية خاصة، تفاهمات تصب في جهود مكافحة الإرهاب ومؤازرة جهود الجيش المصري".

وهذه أيضا في جوهر سيريالية القضية حين يكون الحديث من نقيضين "متخاصمين" حول أمر جوهري لو تم الحديث عنه بطريقة أكثر احتراما وتقديرا لدولة عربية كبيرة في شقه الأول لربما كان الطريق أقصر لتحقيق المزيد من التفاهم والوصول إلى التلاحم، والخروج من هذه الأزمة و"الانقسام" الذي طال أمده، والذي بدون مصر لن يحل.

مطلوب وعي ونضج ومرونة وتضحية وتماسك وعقلانية تصهر الرؤية الفلسطينية في بوتقة واحدة، تعطي موقفا صلبا يمكن أن يدرك منه العالم أهمية أن يكون للشعب الفلسطيني دولته المستقلة التي يعمل من أجلها.

* كاتب فلسطيني - كندا