تفاعلت قضية الرقابة وإشكالياتها وقرارات المنع التي أثارتها «الجريدة» ومست روايات كويتية، وحظرت تداولها في المكتبات المحلية، نيابياً وثقافياً وشعبياً.
وفي خطوة مفاجئة، استقال الأديب عبدالله خلف من لجنة الرقابة في وزارة الإعلام احتجاجاً على بعض القرارات الصادرة حديثاً بشأن منع روايات محلية لكتاب كويتيين، وعلى إثر هذه الاستقالة يبدو أن لجنة الرقابة بدأت تتصدع عقب إصدارها قرارات منع الروايات، ومنها رواية «الورد لك... والشوك لي» للأديب سليمان الشطي، ورواية «لا تقصص رؤياك» للروائي عبدالوهاب الحمادي، إضافة إلى رفع رواية «فئران أمي حصة» للروائي سعود السنعوسي الحاصل على جائزة البوكر العربية من المكتبات المحلية.وبموازاة هذا الاحتجاج ورفض الوصاية الفكرية، أرسلت رابطة الأدباء الكويتيين خطاباً إلى الوكيل المساعد لقطاع المطبوعات في وزارة الإعلام عقب صدور قرار منع رواية «الورد لك... والشوك لي»، تعبر فيه عن رفضها التشدد الرقابي، وضرورة إعادة النظر في قرار منع الرواية.واستغرب الأمين العام لرابطة الأدباء طلال الرميضي تضييق الرقابة على الكتاب الكويتيين، وتضاعف قرارات المنع من لجنة مراقبة المطبوعات.وفي تعليق على التعسف الذي تمارسه رقابة الإعلام، أكد عدد من الأكاديميين والمثقفين رفضهم هذه الوصاية الفكرية، معتبرين ما يجري تشويهاً لسمعة الكويت الثقافية.ضمن هذا السياق، قال الدكتور خليفة الوقيان: «إن ما نحتاج إليه هو عدم التعدي على الدستور الذي كفل الحريات كافة، حرية الاعتقاد، وحرية البحث العلمي، وحرية الرأي».وبدوره، أكد الدكتور سليمان العسكري أن الرقابة بكل صورها وتنوعاتها أصبحت من مخلفات الماضي، ومن يتصور أنه يملك حق المنع والمصادرة خاصة للفكر والأدب والكلمة والفن، هو شخص إما مكابر أو هو لا يعيش الزمن الحاضر.وانتقدت الأديبة ليلى العثمان ما يجري، مبينة أن «داعش» ليست وحدها من تنحر الرقاب وتريق الدماء، وليست وحدها من تلاحق من لا يؤمن بما لا تؤمن به من تخاريف واحتيالات على الدين، فهناك رقابة (داعش) أخرى لا تقطع الرؤوس، بل تقطع رؤس الأقلام وتجلد بسيفها أبطال الأعمال الأدبية.ومن جهته، قال الأديب إسماعيل الفهد إنه ضد الرقابة على الكتابات الأدبية، رافضاً الوصاية على المجتمع وتحديد ما يقرأ وما يطلع عليه الأفراد، في حين استغرب الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين طلال الرميضي تضييق الرقابة على الكتاب الكويتيين، وتضاعف قرارات المنع في الفترة الأخيرة.التعدي على الدستوروفي مفتتح حديثه، قال الدكتور خليفة الوقيان: "قلت أكثر من مرة إن القول بوجود هامش كبير للحرية في الكويت وهمٌ كبير. إن من يطالعون الصحف الكويتية، ويرون فيها نقداً عنيفاً للمسؤولين يظنون أن تلك هي الحرية المنشودة. إن ما نحتاج إليه هو عدم التعدي على الدستور الذي كفل الحريات كافة، حرية الاعتقاد، وحرية البحث العلمي، وحرية الرأي. ثم جاءت القوانين واللوائح والتصرفات الشاذة فطوقت تلك الحريات، وصادرتها.وأضاف: "ليس بإمكان المفكرين والباحثين وأصحاب الرأي معالجة القضايا الكبرى المتعلقة بوجودنا ومصيرنا، لأنها محاطة بسور منيع من الروادع والموانع والمحاذير".وتابع: "وفي السنوات الأخيرة ازداد الأمر سوءاً حتى إن الأعمال (فنون تشكيلية، روايات، شعر) أصبحت محلاً للشك في مضامينها والتأويل الساذج لمجازاتها، والخوف من ملامستها جدار الفضيلة المزعومة في نظر قيادات الدولة.ويحدد الوقيان أسباب تدهور الوضع بقوله: "إنها مشكلة جهل بمفهوم الإبداع، وقصور في قراءته، فضلاً عن عدم الإيمان بالحريات التي كفلها الدستور، وفي مقدمتها البحث العلمي. إن المصدر الوحيد الذي لا تقترب منه الرقابة هو فكر الظلام والخرافة ولذلك نجده يتفشى في مجتمعنا، ويقضي على مكتسباتنا، ويفسد أجيالنا التي نعقد عليها الآمال في التطور ومواكبة العصر".مستوى الرقيبوفي السياق ذاته، قال الدكتور سليمان العسكري إن الكتابات الأدبية كالقصة والرواية والفنون كافة والنصوص الأدبية هي إنتاج وإبداع لمواهب ومفكرين وأدباء وفنانين مروا بمراحل طويلة من المعاناة والقراءة والتحصيل اللغوي العميق، وتنقلوا في قراءاتهم بين الأدب والشعر والرواية والفلسفة وعلم النفس وفنون الكتابة، واطلعوا بالتأكيد على كم واسع من آداب الأمم الأخرى بلغات أجنبية على مدى سنوات طويلة، مما أهلهم بعد القراءة والمعاناة من هضم ما حصلوا عليه لأن يكتبوا وينشروا أفكارهم ورؤاهم لواقعهم المحلي والعربي والعالمي، وصاغوه، كل حسب الفن الذي اختاره، لينشر من خلاله بلغتهم وتصورهم، معالجين واقعهم الإنساني ورؤيتهم لهذا الواقع. وأضاف العسكري أنه لابد لمن يتصدي لتقييم إنتاج أولئك المبدعين أن يكون في مستواهم الثقافي على الأقل، ومطلعا على المدارس الفلسفية والفنية التي استخدموها وسلكوا طرقها، بل لابد أن يكون أوسع اطلاعا على فنون الكتابة وأعمق فهما لها، ليستطيع ان يحكم على نص أدبي بأنه جيد ومفيد فيسمح بتداوله، أو أنه سيئ فيمنع وصوله إلى أيدي القراء، وبالتأكيد ومما لا يقبل الخلاف أنه لا يوجد بين لجان الرقابة سواء في "الإعلام" أو "الأوقاف" من يملك هذا المستوى الرفيع من الثقافة وموهبة النقد العلمي. وأكد أننا "ندور منذ زمن طويل في دائرة التخبط والعشوائية ونسيء لمبدعينا ولثقافتنا الجديدة امام أنفسنا وأمام العالم العربي والعالمي الذي يتواصل معنا دائما من خلال وسائل الاتصال الحديثة، التي سهلت لكل فرد ان يتواصل مع العالم لحظة بلحظة بدون عوائق وموانع ونحن نخبئ رؤوسنا في الرمال وأجسامنا وعقولنا عارية أمام العالم".وأوضح أن "الرقابة بكل صورها وتنوعاتها أصبحت من مخلفات الماضي، ومن يتصور انه يملك حق المنع والمصادرة خاصة للفكر والأدب والكلمة والفن هو شخص إما مكابر أو لا يعيش الزمن الحاضر ولا يفقه أين يسير الحاضر الى المستقبل. وإن الكتاب أو الصورة أو الفيلم الذي يمنع داخل حدودنا الجغرافية يقفز فورا الى رحاب حدود العالم، وتسلط عليه الأضواء في كل مكان، فالكتاب الممنوع مثلا ينشر فورا وكاملا على الانترنت، ويصبح في ساعة من الزمن في متناول كل فرد في أي بقعة من العالم".ولفت العسكري الى ضرورة إحداث تغييرات جذرية في آلية الرقابة، وقال: "لابد - وقد حان الوقت- أن تتحول الأدوات الرقابية من لغة المنع والرفض والتهديد الى لغة الحوار والنقاش وتبادل الرأي والأفكار، لنصل الى مجتمع الحرية العقلانية، وهذا يتطلب ان نثق بالمبدعين في الثقافة والفنون والآداب وبالناس، ونحترم ثقافتهم وعلمهم وأفكارهم كي يتحولوا من معارضين وناقمين ومضطهدين فكريا الى قوة تشد من عضد مجتمعها، وتساهم في تطوره السلمي والارتقاء به الى مصاف الدول الحضارية الحديثة والسير معها في ركب التقدم والرقي والنهضة التي تخلفنا عنها عشرات السنين".واستطرد العسكري في الحديث، مشيرا الى ان الديمقراطية تعني حرية الناس وبدون ذلك لا ديمقراطية، ومقياس نهضة أية أمة تقاس بنهضة عقول أبنائها، فالنهضة تبدأ بالإنسان وتنتهي به. ثم من يتحمل مسؤولية قرار منع ومصادرة كتاب لأستاذ الأدب العربي في جامعة الكويت، الذي تخرجت على يديه أجيال وأجيال ومن أوائل الاساتذة الكويتيين في الجامعة، وكتبه يتداولها القراء في العالم العربي، من يقيم عمل وإبداع وفكر هذا الاستاذ؟".وتساءل: "هل مصادرة رواية روائي كويتي حاصل على جائزة الرواية العربية العالمية البوكر دليل على حرص ووطنية من منعها أو أنه أكثر قدرة على نقدها وتحليلها".وختم العسكري حديثه بالقول "الهروب الى الامام بالرفض والمنع والصد استسهال لا يخدم ثقافة ولا يبني أجيال المستقبل، والخوف ان تكون دعوة لهم للاغتراب عن مجتمعهم ووطنهم، وهذه لها أثمان غالية عسى أن نعيها ونتحاشاها".الوحدة الوطنيةومن جهته، استغرب الأمين العام لرابطة الأدباء طلال الرميضي تضييق الرقابة على الكتاب الكويتيين وتضاعف قرارات المنع من لجنة مراقبة المطبوعات. وقال: "لمسنا في الفترة الأخيرة أن هناك تشدداً من قبل لجنة مراقبة المطبوعات المكلفة بفحص الإصدارات الكويتية، ونحن نعيش في دولة مؤسسات وقانون وننعم بحرية التعبير التي كفلها الدستور، نحن نلتزم بالقانون وفقاً لما جاء في قانون المطبوعات والنشر، إذ حدد بعض المحاذير بصفة عامة، ويندرج تحت هذه المحاذير عدم المساس بالذات الإلهية ومقام الرسل والأنبياء، ومراعاة عدم خدش الحياء العام، وضرورة تجنب الكتابات التي تمس الوحدة الوطنية".وأضاف الرميضي: "تطبيق هذه المحاذير القانونية لم يكن متوافقاً مع الثورة المعلوماتية التي نعيشها في زمننا هذا، وقد نظمنا في شهر نوفمبر الماضي فعاليات عدة تتعلق بموضوع الرقابة وإشكالياتها، ومنها محاضرة "ذكريات ضالة لعبدالله البصيص... بين الرقابة والنقد"، التي تناولت رواية الكاتب البصيص الممنوعة من التداول في الكويت، كما نظمنا بالتعاون مع جمعية المحامين محاضرة بعنوان محاذير قانونية في الكتابة الأدبية، ألقاها رئيس جمعية المحامين وسمي الوسمي، وفي الشهر ذاته، أرسلت رابطة الأدباء خطاباً إلى الوكيل المساعد لقطاع المطبوعات عقب هذا التوجه الجديد في التشدد الرقابي أوردنا فيه ملاحظات مجلس الإدارة في رابطة الأدباء، وأشرنا إلى ضبابية غير واضحة ما بين المنع والفسح، وناشدنا حينها بإتاحة المزيد من الحريات".وفي ما يتعلق بمنع رواية "الورد لك والشوك لي" للدكتور سليمان الشطي، أكد الرميضي أنه "بعد ذيوع خبر منع اللجنة الرقابية لهذا العمل الأدبي والذي آلمنا بشدة، أرسلنا خطاباً في تاريخ الثاني من الشهر الجاري، تضمن مناشدةً لزملائنا في لجنة المطبوعات لإعادة النظر في قرار المنع، ونحن في رابطة الأدباء نحرص على سمعة الكويت الثقافية، التي كانت رائدة في المجال الأدبي بين الدول العربية من ناحية الحريات أن تتزعزع هذه المكانة، ويضيق الأفق بأقلام المبدعين الكويتيين".ضد الرقابةومن جانبه، قال الأديب إسماعيل الفهد إنه ضد أي شكل رقابي بالمطلق على الكتابات الأدبية، رافضاً الوصاية على المجتمع وتحديد ما يقرأ وما يطلع عليه الأفراد، ويعتبر أن الإنسان الكويتي له الحق في قراءة ما يشاء حتى إصدارات العدو الإسرائيلي للتعرف على مضمون هذه الكتب، وبالتالي يستطيع الرد عليها من باب الحجة بالحجة، فما بالك إذا كانت الكتب محلية لكتاب كويتيين يغارون على وطنهم.وأضاف: "لا يجوز أن نكون أوصياء على القارئ، ونتعامل معه بدكتاتورية ولا نمنحه فرصة الاختيار، فإن استحسن الإصدار أو نبذه كان ذلك وفقاً لرغبته وقناعته".وبحسب الفهد، فإن القضاء هو الفيصل بهذه الإشكالية، ونصح الكاتب عبدالوهاب الحمادي باللجوء إلى القضاء عقب منع روايته "لا تقصص رؤياك".داعش الرقابةشنت الأديبة ليلى العثمان هجوماً كاسحاً على التعسف في فحص الكتب وتأويل مضامين الإصدارات خارج سياقها الأدبي، مؤكدة أن الرقيب في الكويت يمتلك مواصفات بشاعة القتل والتدمير لمجرمي "داعش".وأضافت: "ليست داعش وحدها من تنحر الرقاب وتريق الدماء، وليست وحدها من تلاحق من لا يؤمن بما لا تؤمن به من تخاريف واحتيالات على الدين، هناك رقابة "داعش" أخرى لا تقطع الرؤوس بل تقطع رؤوس الأقلام، وتجلد بسيفها أبطال الأعمال الأدبية".وترى العثمان أن "أعضاء اللجنة الرقابية لا يقرأون الكتاب كله، بل يقتطعون مقتطفات منه من هنا وهناك وحوارات متفرقة لأبطال الرواية، "داعش" هذه لها مزاج خاص، وفي موسم تترك زهور الكتب تونع، وفي موسم آخر ترفع العصا وتسن السكين".وعن قرارات المنع الصادرة حديثاً، قالت: "إذا كنت مستاءة جداً من منع روايتَي عبدالوهاب الحمادي وسعود السنعوسي فإني أكثر استياءً لمنع رواية الدكتور سليمان الشطي، لأنها أجيزت وسمح لها بالتداول في الكويت منذ معرض الكتاب الأخير".كتاب رابطة الأدباء إلى لولوة السالمتضمن انتقاداً لمنع رواية الشطي لأنه يسيء إلى المشهد الثقافي الكويتيحصلت "الجريدة" على نسخة من كتاب الرابطة الذي قدمته إلى وكيلة وزارة الإعلام المساعدة لشؤون الصحافة والمطبوعات لولوة السالم، احتجاجاً على التشدد الرقابي من اللجنة الرقابية التي تترأسها الوكيلة. وفي ما يلي نص الخطاب:"تود رابطة الأدباء الكويتيين ان تعرب لكم عن خالص تقديرها. ومن منطلق التواصل الثقافي بين مؤسسات دولتنا الحبيبة، فإننا نود أن نقف على حقيقة منع رواية "الورد لك... الشوك لي" للمؤلف الأكاديمي الأستاذ الدكتور سليمان الشطي، وكما تعلمون فهو من القامات الأدبية الكبيرة في دولتنا الحبيبة الكويت، ومن مؤسسي النهضة الحديثة منذ السبعينيات من القرن الماضي، وحائز على جائزة الدولة التقديرية وجائزة أفضل عمل ثقافي وكتاب عربي في معرض القاهرة عن كتابه الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ، ومن الذين أسهموا في تدعيم أركان رابطة الادباء ومجلة البيان الصادرة عنها، وله العديد من المؤلفات المتميزة عن القصة والشعر والرواية في الكويت مؤرخاً وموثقاً فيها لأجيال المبدعين، الى جانب روايات وقصص أخرى حققت حضورا لافتا في المحافل الثقافية العربية، هذا عدا عن كونه أستاذا في جامعة الكويت تخرج على يديه أجيال كثيرة من الطلبة.لذا فإن هذا المنع لعمله الادبي "الورد لك... والشوك لي" سوف يكون له الانعكاس السلبي على سيرته العلمية الراقية من جهة، وعلى مسيرة الادب في دولة الكويت التي نعتز بديمقراطيتها وحرية التعبير التي نرفع بها رؤوسنا في المحافل الثقافية محليا وعربيا وعالميا، وهي أحد أسلحتنا في مواجهة الآخر حين يتم الحديث عن كبت الحريات والحد منها، وإن حرصنا في رابطة الادباء الكويتيين لا يقل عن حرصكم في إبراز الوجه الحضاري لدولتنا الحبيبة، وإظهار وجهها الحضاري الناصع.لذا، نأمل منكم إعادة النظر في هذا المنع، وتوخي المرونة في قياس المحظورات ومساحتها التي لا تمس جوهر الثوابت التي نحرص عليها جميعا، خاصة أن الضوابط في قانون المطبوعات تتصف بأنها واسعة المعنى ومبهمة المضمون، مما يعني أن هناك مساحة للتعسف قد يرتكبها الرقيب أحيانا بما يحقق نتائج سلبية على النتاج الادبي لشخصيات مرموقة ومشهود لها بأخلاقياتها.وباسم رابطة الادباء الكويتيين، نأمل أن تتم مراجعة هذا المنع لرواية "الورد لك... والشوك لي" لما في هذه الرواية من قيمة أدبية عالية تعد مفخرة لدولتنا الحبيبة، وتضيف الى النتاج الابداعي الشيء الكثير حاضرا ومستقبلا، وسوف تكون بادرة يقدرها لكم الادباء والمجتمع".
توابل - ثقافات
«رقابة» الإعلام تتصدع... والمثقفون غاضبون من الوصاية الفكرية
11-03-2015