هذه هي النسخة الثلاثون من قائمتي السنوية "عشر مفاجآت في العام الجديد". وفيها أُعرّف المفاجأة بأنها حدثٌ يعطيه المستثمر العادي فرصة واحدة فقط للوقوع من أصل ثلاث فرص، لكنني أعتقد شخصياً أن احتمال وقوعه لا يقل عن 50 في المئة. وهدفي من هذه القائمة دفع المستثمرين إلى التفكير في الأحداث غير المتوقعة التي يكون لها في كثيرٍ من الأحيان تأثيرٌ على الأسواق المالية. وفي العادة، أكون مصيباً في خمس أو ست مفاجآت من أصل عشر كل عام، لكنني لا أسعى هنا لتسجيل نتيجة عالية، بل أريد من قائمة المفاجآت هذه تجهيز نفسي (وعملائي) بما يتجاوز التفكير المبسّط.

Ad

هبوط أسعار النفط

في العام الماضي، أصبت في توقعاتي للمفاجآت العشر أكثر مما أخطأت، إذ تحققت -إلى حد ما- ستٌّ من المفاجآت التي توقعتها، لكنّ عام 2014 شهد أيضاً مفاجآت أخرى لم أكن أتوقعها، مثل هبوط أسعار النفط في نهايته. في بداية العام، كان جميع المراقبين تقريباً (وأنا منهم) يتوقعون صعود أسعار النفط نتيجة زيادة الطلب من الأسواق الناشئة. فبينما تستهلك الولايات المتحدة النفط بمعدل 21 برميلا للفرد سنوياً، لاتزال الهند تستهلك أقل من برميلين للفرد، والصين أقل من ثلاثة براميل. وكان من المتوقع أن يؤدي توسّع الطبقة الوسطى في تلك الدول وإقبالها على شراء السيارات إلى زيادة استهلاك الوقود. وحتى مع تقنية التكسير الهيدروليكي، فلم يكن من المتوقع أن يرتفع الإنتاج بما يكفي لتلبية الطلب، ولهذا اعتقد المراقبون أن أسعار النفط سترتفع.

وفي المفاجأة الثانية التي توقعتها للعام الماضي، كنت أعتقد أنّ التفاؤل المفرط للمستثمرين في اقتصاد بطيء سيكون مشكلة، لكن السوق في الولايات المتحدة لم يواجه نكسة حقيقية حتى شهر سبتمبر حينما حدث "تصحيح" بنحو 8 في المئة. كما توقعت أن يصل مؤشر ستاندرد آند بورز SandP 500 إلى مستوى 2.300 نقطة قبل نهاية العام، واقترب المؤشر فعلاً من ذلك حيث كان أعلى مستوى له 2.094 نقطة، أي أن الاتجاه الذي توقعته كان صحيحاً.

الاقتصاد الأميركي

وفي المفاجأة الثالثة، توقعت أن يبلغ نمو اقتصاد الولايات المتحدة نحو 3 في المئة، وقد وصل حتى الربع الثالث لأكثر من ذلك حيث اقترب من معدل 4 في المئة. وقلت أيضاً ان معدل البطالة سينخفض إلى نحو 6 في المئة، وكانت القراءة الأخيرة في عام 2014 تشير إلى معدل 5.8 في المئة. وكما توقعت، لم يتسبب تقليص برنامج شراء السندات من قبل بنك الاحتياطي الفدرالي في أي مشكلة كبيرة سواء للاقتصاد أو لأسواق الأسهم والسندات.

وفي المفاجأة الرابعة، كنت أعتقد أن الاقتصاد الأميركي القوي والظروف الضعيفة للبلدان المتقدمة الأخرى ستعزز قوة الدولار أمام باقي العملات. ومع أنني كنت متردداً عندما اخترت هذه المفاجأة، فإنها كانت أفضل ما تنبأت به.

وتوقعت في المفاجأة الخامسة أن يكون أداء الاقتصاد الياباني جيداً في بداية العام وسيئاً في النصف الثاني منه، بسبب زيادة ضريبة المبيعات وعوامل أخرى. وكنت أرى أنه، عند نقطة معينة، ستفقد إجراءات التحفيز المالي والنقدي الكبيرة فعاليتها في المحافظة على معدل النمو المتواضع للاقتصاد. وفعلاً، فقد انزلقت اليابان إلى الركود في الربع الثالث، ووصل مؤشر نيكاي 225 إلى مستوى 17,971 نقطة في ديسمبر، ليقترب كثيراً مما توقعته بوصوله إلى 18,000 نقطة.

اقتصاد الصين

وفي المفاجأة السادسة، توقعت أن يتباطأ الاقتصاد الصيني بشكل ملموس. لكن معدل النمو المسجل بقي فوق 7 في المئة، مع أنّ بيانات الصادرات والإنتاج الصناعي لا تنسجم مع هذا المعدل الذي يشير إلى نشاط اقتصادي قوي. لكنني على أي حال كنت أتوقع معدل نمو أقرب إلى 6 في المئة في الصين.

أما في المفاجأة السابعة، فقد توقعت عاماً صعباً آخر للأسواق الناشئة، وقد كان. ومع أنني ظننت أن تكون المكسيك وكوريا الجنوبية أفضل حالاً من معظم نظرائها، لكنها كانت في الحقيقة مخيبة للآمال.

صعود السلع الزراعية

وفي المفاجأة الثامنة، كنت أتوقع صعود السلع الزراعية بسبب الطلب من العالم النامي نتيجةً لارتفاع مستويات المعيشة هناك. وكنت مخطئاً في ذلك، حيث تراجع الطلب في تلك الدول بسبب تباطؤ اقتصاداتها، ما تسبب في انخفاض أسعار السلع.

وظننت في المفاجأة التاسعة أن أسعار الفائدة سترتفع أكثر مما توقعه غالبية المحللين، وأن يبلغ العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات نحو 4 في المئة. لكن ظنّي لم يكن في محله، حيث يبلغ ذلك العائد حالياً 2.3 في المئة فقط.

وأخيراً، في المفاجأة العاشرة، توقعت أن يتغير حال قانون الرعاية الصحية بأسعارٍ معقولة، والذي لاقى انتقادات واسعة في نهاية عام 2013، إلى الأفضل. وظننت أنّ نجاح ذلك القانون المثير للجدل سيدعم الديمقراطيين في انتخابات نوفمبر، لكن تبيّن خلاف ذلك، حيث فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، وعززوا هيمنتهم على مجلس النواب.

المفاجآت العشر في 2015

لكن يكفي حديثاً عن العام الماضي؛ وإليكم مفاجآتي العشر لعام 2015:

1. مجلس الاحتياطي الاتحادي يرفع أخيراً أسعار الفائدة قصيرة الأجل قبل منتصف العام، بتشجيع من تحسّن بيانات التوظيف والنمو القوي للناتج المحلي الإجمالي. لكن العواقب تثبت أن توقيت رفع أسعار الفائدة كان متسرعاً، حيث سيخبو زخم الاقتصاد الأميركي ويبدأ تباطؤ قصير الأجل. ويتضافر انتهاء التيسير النقدي وارتفاع أسعار الفائدة لإحداث تصحيحٍ في سوق الأسهم، بينما تبقى أسعار الفائدة لسندات الخزانة طويلة الأجل حيث بدأت، مع تسطح منحنى العائد.

2. نكسةٌ في مواجهة الإرهاب الإلكتروني مع نجاح قراصنة الإنترنت في اختراق حسابات أفراد وشركات لدى مركز مالي أو بنك كبير، ما يدفع بنك الاحتياطي الفدرالي لإجبار تلك المؤسسة على تعليق المعاملات لمدة خمسة أيام عمل ريثما يتم التحقق من دقة الأرصدة.

3. مكاسب الأسهم الأميركية في نهاية عام 2014 تتواصل في العام الجديد مع ارتفاع السوق بأداء قوي في عام 2015. ويساهم الإسكان والإنفاق الرأسمالي وأرباح الشركات في تعزيز نمو الاقتصاد، ما يرفع مؤشر ستاندرد آند بورز SandP 500 بنسبة 15 في المئة خلال العام، متفوقاً على أداء أسواق الأسهم في معظم البلدان الصناعية الكبرى في جميع أنحاء العالم.

4. رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي يبدأ أخيراً بتوسيعٍ كبير للميزانية العمومية للبنك عن طريق شراء سندات الديون السيادية والرهون العقارية وسندات الشركات. وعلى الرغم من ذلك التوسع، ترتدّ أوروبا إلى حالةٍ من الركود الشديد. ويكون أداء الاقتصاد الألماني ضعيفاً بشكل خاص، حيث سيكون لانخفاض الطلب من مختلف الشركاء التجاريين تأثيرٌ كبير على الصادرات الألمانية.

5. إجراءات التحفيز الضخمة والمفاجئة تفقد فاعليتها في اليابان؛ ويتواصل الركود الذي بدأ في الربع الثالث من عام 2014 طوال عام 2015 على الرغم من تتابع إجراءات التحفيز المالي والنقدي وتعليق خطط الرفع الثاني لضريبة المبيعات.

6. معدل النمو في الصين ينخفض دون 7 في المئة، وتحتاج البلاد إلى إجراءات إضافية للتحفيز المالي والنقدي كي تنمو بمعدل 5 في المئة وتنجو من الهبوط الحاد. وتدرك الصين أيضاً ضرورة تغيير توازن الاقتصاد ليصبح أكثر اعتماداً على المستهلكين وأبعد نسبياً عن الاستثمار القائم على الائتمان في الشركات المملوكة للدولة والبنية التحتية. وربما تذهب الأموال المخصصة للبنية التحتية إلى معالجة تلوث الهواء والمياه والتربة، وليس الطرق والإسكان.

7. انخفاض سعر النفط يؤثر أخيراً على إيران بعدما كانت البلاد تعتمد على مبيعاتها من النفط الخام لتخفيف أثر العقوبات. ويجبر الضعف الاقتصادي الناجم عن الانخفاض غير المتوقع في أسعار النفط حكومة البلاد على اتخاذ موقف أكثر ليناً في المفاوضات النووية مع الغرب.

8. سعر مزيج برنت يهبط بين 40 و50 دولاراً للبرميل. ويتسبب الانخفاض المتواصل لأسعار النفط الخام في النصف الأول من العام بآثار كبيرة على روسيا. لكن خلال النصف الثاني من العام، يرتفع مزيج غرب تكساس الوسيط وخام برنت فوق 70 دولاراً للبرميل، مع استمرار نمو الطلب من الأسواق الناشئة.

9. الانهيار الذي حدث في سوق العائد المرتفع في نهاية عام 2014 بسبب هبوط أسعار النفط، سوف يخلق فرصاً هائلة للشراء، حيث ينخفض الفارق بين سندات العائد المرتفع وسندات الخزينة إلى النصف، وتصبح سندات العائد المرتفع أفضل فئات الأصول أداءً مع تواصل نمو الاقتصاد الأميركي.

10. الجمهوريون يقررون تقديم حزبهم للشعب الأميركي باعتباره الحزب القادر على اتخاذ قراراتٍ جريئة والقيام بإنجازات فعلية إن هو أمسك بزمام الأمور في واشنطن، ويقولون إن الرئيس أوباما لم يكن فعالاً في سنواته الست الأولى في البيت الأبيض، بينما أصبح إقرار التشريعات أكثر سلاسة عندما دانت لهم الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب.

وكما هي الحال في كل عام، توجد بعض المفاجآت الأخرى التي لا تصل إلى قائمة المفاجآت العشر، إما لأنني لا أعتبرها على القدر ذاته من الأهمية، أو لأنني لست واثقاً تماماً من كونها "مرجّحة".

مفاجآت محتملة أخرى

• المياه تصبح القضية البيئية المركزية في عام 2015، متفوقة على تلوث الهواء بالكربون. كما تتسبب المياه في توترٍ كبير في الهند والصين، حيث يفتقر عددٌ كبير من السكان إلى المياه الصالحة للشرب بشكل مستقر.

• التجارة على الإنترنت تتعرض لأزمات، وتنخفض أسهم شركات مثل Airbnb وUber بشكل حاد.

• البرازيل تصبح المفاجأة الإيجابية بين الأسواق الناشئة، حيث تقدّم رئيس البلاد ديلما روسيف، عدداً من السياسات المحفزة للأعمال والتي تثمر عن تحسّن الاقتصاد. ويكون لانخفاض أسعار النفط إيجابيات تفوق السلبيات بالنسبة لهذه الدولة. وتعود البرازيل من جديد كوجهةٍ مفضلة للمستثمرين في الأسواق الناشئة.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون